إلى متى خَنقُ عَمَّان بمزيدٍ من الأبنية الضَّخمة؟
حنا ميخائيل سلامة نُعمان
مِن الإنصاف القول، أن الدولة قد شجعت المستثمرين وفتحت لهم المجالات المختلفة مع تسهيلات مُعيَّنة للمُضي في مشاريعهم، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى يتمّ تركيز المستثمرين مِن الأردن أو خارجهِ على العاصمة عَمَّان، ونخص بالذّكر في مشاريع الأبنية التجارية الضخمة أو الإسكانية ؟ وإذا كانت الدولة قد وفَّرت شبكة واسعة من الشوارع والطرق لتُقصِّر المسافات بين العاصمة وسائر مناطق المملكة، فهل من المنطق أن تستمر الاستثمارات التجارية أو الإسكانية الضخمة على الرقعة الجغرافية المحدودة لعَمَّان أم يُفترَض توجيهها لخارج حدودها؟ والكُلّ يُلاحظ ما تعانيه العاصمة من اختناقات بسبب ازدحام مشاريع ضخمة قَلَبَت مخططاتها التنظيمية المعهودة فأفقدتها نَسَقَها، وحجبت إطلالاتها الرائعة، وقلبت موازين راحة أهلها وسكانها، كما وضغطت على شوارعها وطرقها وأحيائها بأزَمات سَيرٍ ومرورٍ نُعاني منها حالياً وسنبقى، بالإضافة لتراكم مرَكبات مُشْغِليِّ تلك الأبنية في مُحيطها، مَا نجم عنه اقتطاع أجزاء من الشوارع وتضييقِ مساربها. وليس يغيب عن الذهن، ما تركته من أثَرٍ سلبيٍ على الوضع البيئي بالإضافة للضغط على شبكات الصرف الصِّحي وغيرها التي ما عادت تستوعب المتدفق إليها.
وفي الحقِّ أنّ القلق بات يعتمل في صدور أهل عمان من أن تتحول أية قطعة أرضٍ فارغةٍ مُجاوِرَة لبيوتهم، إلى بناءٍ تجاري ضخمٍ أو إسكانٍ شاهقٍ يضمُّ عشرات الشِّقق أو أضْعافَ ذلك مِن الشقق الصغيرة التي يُطلق عليها مُسمَّى "ستديوهات"، فتحاصرهم وتحبس عليهم أنفاسهم مع احتشادها بأعداد غفيرة من الناس، بالإضافة لضغط مركباتهم على شوارعها وطُرقها الضيِّقة أصلاً. هذا الأمر وقع في عددٍ من المناطق، بل استغل الكثيرون ما كانت الأمانة قد إجازته بقرارٍ سابقٍ وهو السماح بترخيص مهن محددة داخل الشُّقق في أبنية سكنية هذا الأمر الذي جرى رغماً عن إرادة المواطنين الذين أبْدَوا استياءً من الاعتداء على خصوصية شققهم السكنية التي باتت تُلاصقها -الباب بالباب- تلك المهن التي تشهدُ تقاطر المراجعين والزبائن إليها! هذا وقد توجَّهت أنظار مَن يَزِنُون حِساباتهم بميزان الربح ولو على أكتاف طمس المعالِم وإلغاء الهُويَّة الجميلة لعمان، فأخذوا يكتسحون المناطق التي تتوفر فيها أبنية صغيرة الحجم نسبياً لكنها ذات صِبغةٍ عمرانية تراثية جميلة، حيث يتمَّ هدمها وتشييد مشاريع تجارية كبيرة عليها أو إسكانات عامودية ضخمة.
ومن غريب الأمر، ومع ما نشهده من أزمات مرورية قيام الأمانة - مع الاحترام لجهودها -بمنح تراخيص مهنٍ لبقالات أو معارض نباتات وزهور وغير ذلك قرب دوارات مهمة على شوارع رئيسية، في عدم تقدير أن مركبات المتسوقين وآليات نقل البضائع ستصطف على شوارعها فتكون سبباً لاختناقات مرورية، بل لحوادثَ مُروِّعة والبراهين متوفرة!
وخِتاماً، إن استشراف المستقبل واستجلاء متطلباته يُحتِّم توجيه الاستثمارات والمشاريع بتخطيطٍ عصريٍ وبرؤية غير آنيةٍ، بل بعيدة المدى لتلائم المستقبل والازدياد السكاني وغير ذلك!
hanna_ salameh @yahoo.com
إضَاءَةٌ على كِتاب:
"قضاءُ الإلغاءِ أمامَ المحاكم الإدارية في مِصرَ والأردن"
بقلم: حنا ميخائيل سلامة نُعمان
بين أيدينا الآن كتابٌ برزَ للنور حديثاً عُنوانه "قَضاءُ الإلغاءِ أمامَ المحاكمِ الإداريةِ في مصرَ والأردن". والكتابُ مِن القَطْع الكبير ضمَّ بين دفَّتيه نحوَ ستمائة وخمسين صفحةً، شكَّلت بمُجمَلِها دراسةً موسَّعةً اتَّسَمَت بالموضوعية والشمولية والعُمقِ البَحْثِيّ لتُغطِّي موضوع القضاء الإداري على نحوٍ مائزٍ مُتفرِّدٍ وهادفٍ، بِقَلَم أُستاذ القانون العام المحامي الدكتور نوفان منصور العجارمة وأستاذ القانون الدكتور رمضان محمد بطيخ. وإذ أُسلِّطُ الضَّوءَ على صُدور هذا الإنجاز وعلى الجُهدِ الكبير الظاهر للعَيان مِن الموضوعات الكثيرة المؤْتَلِفَة في مَداها والتي يَزخَرُ بها، فإنَّ غايتي تَعميم المعرفة بالإنجازات الفكرية الهادفة البنَّاءَة والتي تُشكِّل تراكماً لخبراتٍ وتجاربَ وممارسات عملية مقرونة بمخزون عِلميٍ واسعٍ وَبَحثٍ وتحصيل. وهذا ما يَتَمتَّعُ به وَيُشهَدُ له عِندَ الثِّـقَاةِ لِلأُستاذَيْن الجَّليِلَيَن المُؤلِّفَين المُنْسَجِمَيْنِ في الرؤى والأفكار والأهداف. ولا أُخْفي هُنا، أنَّ الكاتِبَ مِثلي مَدفوعٌ إلى الكتابة بطبعهِ وبِما يتملكه مِن الشعور بالغبطة حين تَصْدُر مِثل هذه المؤلفات التي تخدمُ مَعْشرَ القُرَّاء المُهتمِّين، بالإضافة للباحِثين وطلبة القانون في الدراسات العُليا والعاملين بالتخصصات القانونية.
وفي إضاءةٍ خاطفةٍ على هذا العَمَل القيِّم أقتبِسُ بِما جاءَ في مُقدِّمَتِه:" لقد اتسع نطاق العمل الحكومي في عالمِنا المعاصر، حيثُ ارْتادَت الإدارة العامة كافة المجالات الأمر الذي كان له أثرٌ إيجابي في تلبية احتياجات المواطنين ومتطلباتهم المتعددة وذلك بما يحقق الرخاء والرفاهية لهم. إلا أنَّ هذا الأثر الإيجابي قد يَخبو، بل وقد ينقلب إلى أثرٍ سلبيٍ إذا لم يكن هناك توازنٌ عادلٌ بين ما تتمتع به الإدارة من امتيازات تُمكِّنها من أداء وظائفها ومن ثمَّ تحقيق النفع العام للأفراد، وبينَ ما يتمتع به هؤلاء الأفراد أو ما يجبُ أن يكون لهم من حقوق وحُريات". وقد وردَ بعد هذا تَبْياَنٌ "لآليةِ تحقيقِ مِثل ذلك التوازن وأبرز وأهَمِّ متطلباتِ ضَمَانِه".
هذا وَتَتَبدَّى لنا الأهمية الكامِنَة وراءَ الاشتغالِ بهذه الدراسة تحديداً ومحورها القضاء الإداري، وأقتَبس هُنا بما جاء في مٌسْتَهَلِّ الكتاب: " ليسَ لأنَّ القضاء الإداري هو الرقيب الأول على مشروعية أعمال الإدارة ومِن ثمَّ الحِصن المنيع لضمان وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم فقط، وليس كذلك لأنه أقدر من القضاء العادي - بحُكم تخصُّصه وإلمامه بأعمال الإدارة وفهمِه لظروفها ومطالبها - على فَضِّ المُنازعات الإدارية، وإنَّما لأنَّ هذا القضاء يَتسمُ بالتجديد والتطوير. فهو قضاءٌ إنشائيٌ وليس قضاءً تطبيقياً فقط. بمعنى انه لا يقتصر بمجرد تطبيق القواعد القانونية القائمة ويكتفيَ بها، وإنما يمتد عمله - إذا لم يجد حلاً للمنازعة المعروضة أمامه - إلى خلق وابتداع القاعدة التي تلائم تلك المُنازعة. إضافة لدوره في تفسير القواعد القانونية وتطويرها لتتلاءَمَ مع مستجدات الحياة وظروفها".
وتتوزعُ موضوعات الكِتاب على بَابَيْنِ اثنينِ، أوَّلُهُمَا حملَ عنوان "مَبدأ المشروعية وضمانات احترامِه" وثانِيهِما حَملَ عنوان" قضاءُ الإلغاء". وقد تفرّع عن هذين العِنوانَين نحوَ تسعينَ فَصْلاً ومَبْحَثاً ومَطلباً. بِما يَدُلُّ مع ما تناوله الكِتاب في صَفحاته مِن سَردٍ تاريخي لنشأة القضاء الإداري في الأردن ومصرَ وفرنسا وتطوِّر هذا القضاء وتنظيمه القانوني، على مَخزونٍ مَعرِفيٍّ وافِرٍ يُشكِّلُ مُحصِّلةً لمؤهلاتِ وخِبرَة وَفِطْنَةِ المؤلِّفَيْن بما يستحقُ الثناء.
وتجدُرُ الإشارة إلى ما يَحْفَلُ بهِ الكتاب بما صَدر مِن أحكام للمحكمة الإدارية الأردنية العُليا لسنوات يعود بعضها لسَنة 2015 وما بعدها مِن سنواتٍ، كما يَحْفَلُ بمجموعة كبيرة مِن قرارات مَحاكم العدل العليا الأردنية ومحاكِم التمييز. ويحفَلُ في الوقتِ نَفسِه بأحكام وقرارات لمحاكم القضاء الإداري المصرية ومحاكم الإدارة العليا المصرية. وقد واكب هذا إدراجٌ لأحكام صادرة عن القضاء الإداري الفرنسي وغيرهِ كنماذج لتعزيز موضوعات مطروحة ولتوسيع آفاق المَعرفة فيها. وفي السِّياق يُسَجَّلُ لِلْمؤلِّفَين تلك المقترحات الواردة في محطاتٍ مِن الكتاب والمُغلَّفة بتمنياتٍ موجَّهة لِكَوْكَبَةِ المُشرِّعِين تتعلق بتعديلات مُعيَّنة أو لإضافة عبارات مُحدَّدَة لنصوص قانونية.
وعلى ما سَبق ذِكرُه، فإنَّ الإضاءةَ السَّريعة على هذا المُنْجَز القيِّم في مدى السطور المُتاحة في مقالي هذا لا تُغني عن قراءَته والإفادةِ مِن موضوعاته. مع الأخذ بعين الاعتبار عدم معرفة كثرةٍ ساحقةٍ - مِن غير المختصين قانونياً - بمهامِ القضاء الإداري ومفهومه ومسؤولياته بالرغم مِن أهميته البالغة: "باعتباره قضاءً متخصصاً لرقابة الأجهزة الحكومية فيما تُباشِرهُ من أعمال وما تتخذه من قرارات، وردّها إلى جَادة الصواب إن حَادَت عنه" كما جاء في موضعٍ مِن الكتاب.
بقيَ أن أقدِّم الشكر لمعالي الأخ الموَقَّر أستاذ القانون العام الدكتور نوفان منصور العجارمة الذي يحظى باحترام وتقدير بني وطنه، لتلطفه بإهدائي نسخةً من هذا الكتاب. وقد عَرَفَ حَفِظه الله بِشَغَفي في الاطلاع على المُنجزات الفِكرية الهادفة والدراسات البحْثيَّة التي غرضها خدمة الوطن والارتقاء بمؤسساتنا ودفع عجلة مسيرتنا الأكاديمية والتعليمية والثقافية قُدُماً وإلى الأمام كما في الكِتاب الذي صوبَ نَظَري الآن. مُقدِّماً في الوقتِ عينه تحية لأستاذ القانون العام في مِصرَ الدكتور رمضان محمد بطيخ لمشاركته في تأليف الكتاب وجهوده فيه.
ومع تهنئتي بصدورِ هذا الكتاب، فإنِّي أودّ أن أعَبرَ عن صورةٍ ينشرِحُ لها الصَّدر، ولم نألفها بحقٍ مِن قَبْل في مؤلَّفات كهذه كبيرة الحجم غزيرة المواد، تمَّ الاشتغال عليها لشُهورٍ كثيرةٍ والسهر في إعدادها مع تقليب مراجعَ لا حصر لها، إذ نجدُ نصاً في الكتاب يُفيد بأنَّه غيرُ مُخصَّصٍ للبيع. وفي هذا خدمة لطلبة القانون ومَن يشاء الإفادة مِن مضامين الكتاب وموضوعاته الغَنيَّة. فجزاكم الله الجزاء الأوفى على هذا العطاء وعلى ما تكبدتُم مِن عَناء.
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.