إضَاءَةٌ على كِتاب:
"قضاءُ الإلغاءِ أمامَ المحاكم الإدارية في مِصرَ والأردن"
بقلم: حنا ميخائيل سلامة نُعمان
بين أيدينا الآن كتابٌ برزَ للنور حديثاً عُنوانه "قَضاءُ الإلغاءِ أمامَ المحاكمِ الإداريةِ في مصرَ والأردن". والكتابُ مِن القَطْع الكبير ضمَّ بين دفَّتيه نحوَ ستمائة وخمسين صفحةً، شكَّلت بمُجمَلِها دراسةً موسَّعةً اتَّسَمَت بالموضوعية والشمولية والعُمقِ البَحْثِيّ لتُغطِّي موضوع القضاء الإداري على نحوٍ مائزٍ مُتفرِّدٍ وهادفٍ، بِقَلَم أُستاذ القانون العام المحامي الدكتور نوفان منصور العجارمة وأستاذ القانون الدكتور رمضان محمد بطيخ. وإذ أُسلِّطُ الضَّوءَ على صُدور هذا الإنجاز وعلى الجُهدِ الكبير الظاهر للعَيان مِن الموضوعات الكثيرة المؤْتَلِفَة في مَداها والتي يَزخَرُ بها، فإنَّ غايتي تَعميم المعرفة بالإنجازات الفكرية الهادفة البنَّاءَة والتي تُشكِّل تراكماً لخبراتٍ وتجاربَ وممارسات عملية مقرونة بمخزون عِلميٍ واسعٍ وَبَحثٍ وتحصيل. وهذا ما يَتَمتَّعُ به وَيُشهَدُ له عِندَ الثِّـقَاةِ لِلأُستاذَيْن الجَّليِلَيَن المُؤلِّفَين المُنْسَجِمَيْنِ في الرؤى والأفكار والأهداف. ولا أُخْفي هُنا، أنَّ الكاتِبَ مِثلي مَدفوعٌ إلى الكتابة بطبعهِ وبِما يتملكه مِن الشعور بالغبطة حين تَصْدُر مِثل هذه المؤلفات التي تخدمُ مَعْشرَ القُرَّاء المُهتمِّين، بالإضافة للباحِثين وطلبة القانون في الدراسات العُليا والعاملين بالتخصصات القانونية.
وفي إضاءةٍ خاطفةٍ على هذا العَمَل القيِّم أقتبِسُ بِما جاءَ في مُقدِّمَتِه:" لقد اتسع نطاق العمل الحكومي في عالمِنا المعاصر، حيثُ ارْتادَت الإدارة العامة كافة المجالات الأمر الذي كان له أثرٌ إيجابي في تلبية احتياجات المواطنين ومتطلباتهم المتعددة وذلك بما يحقق الرخاء والرفاهية لهم. إلا أنَّ هذا الأثر الإيجابي قد يَخبو، بل وقد ينقلب إلى أثرٍ سلبيٍ إذا لم يكن هناك توازنٌ عادلٌ بين ما تتمتع به الإدارة من امتيازات تُمكِّنها من أداء وظائفها ومن ثمَّ تحقيق النفع العام للأفراد، وبينَ ما يتمتع به هؤلاء الأفراد أو ما يجبُ أن يكون لهم من حقوق وحُريات". وقد وردَ بعد هذا تَبْياَنٌ "لآليةِ تحقيقِ مِثل ذلك التوازن وأبرز وأهَمِّ متطلباتِ ضَمَانِه".
هذا وَتَتَبدَّى لنا الأهمية الكامِنَة وراءَ الاشتغالِ بهذه الدراسة تحديداً ومحورها القضاء الإداري، وأقتَبس هُنا بما جاء في مٌسْتَهَلِّ الكتاب: " ليسَ لأنَّ القضاء الإداري هو الرقيب الأول على مشروعية أعمال الإدارة ومِن ثمَّ الحِصن المنيع لضمان وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم فقط، وليس كذلك لأنه أقدر من القضاء العادي - بحُكم تخصُّصه وإلمامه بأعمال الإدارة وفهمِه لظروفها ومطالبها - على فَضِّ المُنازعات الإدارية، وإنَّما لأنَّ هذا القضاء يَتسمُ بالتجديد والتطوير. فهو قضاءٌ إنشائيٌ وليس قضاءً تطبيقياً فقط. بمعنى انه لا يقتصر بمجرد تطبيق القواعد القانونية القائمة ويكتفيَ بها، وإنما يمتد عمله - إذا لم يجد حلاً للمنازعة المعروضة أمامه - إلى خلق وابتداع القاعدة التي تلائم تلك المُنازعة. إضافة لدوره في تفسير القواعد القانونية وتطويرها لتتلاءَمَ مع مستجدات الحياة وظروفها".
وتتوزعُ موضوعات الكِتاب على بَابَيْنِ اثنينِ، أوَّلُهُمَا حملَ عنوان "مَبدأ المشروعية وضمانات احترامِه" وثانِيهِما حَملَ عنوان" قضاءُ الإلغاء". وقد تفرّع عن هذين العِنوانَين نحوَ تسعينَ فَصْلاً ومَبْحَثاً ومَطلباً. بِما يَدُلُّ مع ما تناوله الكِتاب في صَفحاته مِن سَردٍ تاريخي لنشأة القضاء الإداري في الأردن ومصرَ وفرنسا وتطوِّر هذا القضاء وتنظيمه القانوني، على مَخزونٍ مَعرِفيٍّ وافِرٍ يُشكِّلُ مُحصِّلةً لمؤهلاتِ وخِبرَة وَفِطْنَةِ المؤلِّفَيْن بما يستحقُ الثناء.
وتجدُرُ الإشارة إلى ما يَحْفَلُ بهِ الكتاب بما صَدر مِن أحكام للمحكمة الإدارية الأردنية العُليا لسنوات يعود بعضها لسَنة 2015 وما بعدها مِن سنواتٍ، كما يَحْفَلُ بمجموعة كبيرة مِن قرارات مَحاكم العدل العليا الأردنية ومحاكِم التمييز. ويحفَلُ في الوقتِ نَفسِه بأحكام وقرارات لمحاكم القضاء الإداري المصرية ومحاكم الإدارة العليا المصرية. وقد واكب هذا إدراجٌ لأحكام صادرة عن القضاء الإداري الفرنسي وغيرهِ كنماذج لتعزيز موضوعات مطروحة ولتوسيع آفاق المَعرفة فيها. وفي السِّياق يُسَجَّلُ لِلْمؤلِّفَين تلك المقترحات الواردة في محطاتٍ مِن الكتاب والمُغلَّفة بتمنياتٍ موجَّهة لِكَوْكَبَةِ المُشرِّعِين تتعلق بتعديلات مُعيَّنة أو لإضافة عبارات مُحدَّدَة لنصوص قانونية.
وعلى ما سَبق ذِكرُه، فإنَّ الإضاءةَ السَّريعة على هذا المُنْجَز القيِّم في مدى السطور المُتاحة في مقالي هذا لا تُغني عن قراءَته والإفادةِ مِن موضوعاته. مع الأخذ بعين الاعتبار عدم معرفة كثرةٍ ساحقةٍ - مِن غير المختصين قانونياً - بمهامِ القضاء الإداري ومفهومه ومسؤولياته بالرغم مِن أهميته البالغة: "باعتباره قضاءً متخصصاً لرقابة الأجهزة الحكومية فيما تُباشِرهُ من أعمال وما تتخذه من قرارات، وردّها إلى جَادة الصواب إن حَادَت عنه" كما جاء في موضعٍ مِن الكتاب.
بقيَ أن أقدِّم الشكر لمعالي الأخ الموَقَّر أستاذ القانون العام الدكتور نوفان منصور العجارمة الذي يحظى باحترام وتقدير بني وطنه، لتلطفه بإهدائي نسخةً من هذا الكتاب. وقد عَرَفَ حَفِظه الله بِشَغَفي في الاطلاع على المُنجزات الفِكرية الهادفة والدراسات البحْثيَّة التي غرضها خدمة الوطن والارتقاء بمؤسساتنا ودفع عجلة مسيرتنا الأكاديمية والتعليمية والثقافية قُدُماً وإلى الأمام كما في الكِتاب الذي صوبَ نَظَري الآن. مُقدِّماً في الوقتِ عينه تحية لأستاذ القانون العام في مِصرَ الدكتور رمضان محمد بطيخ لمشاركته في تأليف الكتاب وجهوده فيه.
ومع تهنئتي بصدورِ هذا الكتاب، فإنِّي أودّ أن أعَبرَ عن صورةٍ ينشرِحُ لها الصَّدر، ولم نألفها بحقٍ مِن قَبْل في مؤلَّفات كهذه كبيرة الحجم غزيرة المواد، تمَّ الاشتغال عليها لشُهورٍ كثيرةٍ والسهر في إعدادها مع تقليب مراجعَ لا حصر لها، إذ نجدُ نصاً في الكتاب يُفيد بأنَّه غيرُ مُخصَّصٍ للبيع. وفي هذا خدمة لطلبة القانون ومَن يشاء الإفادة مِن مضامين الكتاب وموضوعاته الغَنيَّة. فجزاكم الله الجزاء الأوفى على هذا العطاء وعلى ما تكبدتُم مِن عَناء.
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
على هامشِ معرض عمان الدولي الرابع للعِملات والطوابع البريدية
حنّا ميخائيل سَلامة نُعمان
الطوابع البريدية الصادرة عن الدول المختلفة بما في ذلك الأوراق النقدية والقِطَع النقدية المَعدنية التي جرى تداولها في أزْمِنَة مختلفة أو مُعاصِرَة تُعتبَر توثيقاً أميناً وشواهِدَ حيَّة تتحدثُ بنفسها عن الحضارات التي سادت عبر العصور وعن الدول وما مرَّت به مِن مراحل وأطوار، وعن حُكَّامِها وَسَادَتِها، ومناسباتِها الوطنية وانجازاتها، وما خاضت مِن حُروبٍ، وما عَقَدت مِن عهودٍ واتفاقيات. ومنها ما يتحدَّثُ عن حياةِ شُعوبها وأنماطِ معيشتهم. يُضاف إلى هذا، أنَّ مِنها ما يُوثِّق الآثار وشواهِد العِمران في حِقَبٍ مختلفة.
وحفاظاً على هذا الإرث التاريخي الثمين يُقْدِمُ مُختصون مِن هُواة الطوابع والعملات إلى جَمعِها واستجلاء ملامحها والتَّثَبُّتِ منها قبل ترتيبها بشكلٍ يُراعي تسلسلها الزَّمَني والمكاني وقيمتها الإسْمِيَة وما يلزم من مُتطلَّباتٍ لها أهميتها ودِلالاتها للوصول إلى الدِّقة المَرجوَّة حين عَرْضِها لِلعَيَان.
وبغرَض التوعية والتثقيف وفتح النوافذ على هذا الإرث القَيِّم مع الدول المختلفة، ولتبادل المقتنيات وتسويق المُمِكن مِنها، ولتشجيع هذه الهواية وتنميتها تُنَظِّمُ جمعية هواة الطوابع والعملات الأردنية بما تملك من خبرةٍ مُتراكمة منذ تأسيسها سنة 1979 أنشِطة مختلفة تجري مِن خلال نُخبةِ هُواةٍ مِن أعضائها مِن ذوي الخِبرة الواسعة في جمع الطوابع والعملات وتقيِيمها حسب المعايير الدولية المُعتمدة وبتعاونٍ ملحوظٍ مع جمعيات عربيةٍ وأجنبية متخصِّصَة مُماثِلَة.
وكان أحدث نشاط للجمعية المعرض الرابع الذي افتُتِحَ قبل أيام في موقع "جاليري أمانة عمان الكبرى" وبرعاية كريمة مِن الرئيسة الفخرية للجمعية صاحبة السُّمو الأميرة عالية بنت الحسين. ومِن ضمن نشاط افتتاح المعرض الذي تُشارك فيه مجموعة جمعيات رائدة لهواة الطوابع والعملات من بعض الدول تمَّ إشهار كتاب عنوانه "مسيرة الملوك الهاشميين من خلال الطوابع البريدية بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس الدولة الأردنية". والكتابُ مشروعٌ تثقيفي توثيقيٌ، جاء ثمرة جُهدٍ شخصيٍ لمؤلِّفهِ ومُعدِّهِ الباحث جليل طنوس رئيس الجمعية حيث ألقى فيه المؤلف الضَّوء على المسيرة الهاشمية التاريخية منذ انطلاق الثورة العربية الكبرى- النهضة العربية- من الحجاز سنة 1916 بقيادة المغفور له الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه مروراً بالتوثيق لتأسيس الدولة الأردنية واستقلالها مع ما رافق هذا من مناسبات وطنية مختلفة".
ويجيء هذا الكتاب إضافة نوعيةً مِن المؤلِّف لمجموعة إصدارات كان نشرها وحملت عناوين: "مدينة القدس في الطوابع العالمية " وقد أهداه مؤلِّفه ومُعِدُّه الباحث جليل طنوس" إلى المرابطين في مدينة القدس العربية وجوارها، إلى زهرة المدائن، مدينة الصلاة وعاصمة فلسطين الأبدية " وتوزعت موضوعاته المزدهرة بصور الطوابع التي تُمثِّل مسيرة القدس ماضيها وحاضرها في ثمانية فصول وقد اعتُبِرَ لأهميته مِن منشورات اللجنة الملكية لشؤون القدس وقدم له سعادة أمين عام اللجنة الأستاذ عبدالله كنعان. وكتاب بعنوان "مسيرة صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال من خلال الطوابع البريدية". وكتاب آخر بعنوان " مدينة إربد عاصمة الثقافة العربية للعام 2022 في الطوابع البريدية ".
وحين تَجوالِك في المعرض تشعر بالجهود المبذولة في تنظيمه، كذلك تنظُر إلى مَعروضات الطوابع والعملات قديمها وحديثها، فإذا التاريخ بأدواره المتعاقبة يَنبسِطُ أمامكَ، ورجالاته أمامَ ناظِرِيك، وحوادثه وأحداثه تكادُ تنطق بوقائعها ومُجرياتها. وتجِدُ نُخبة العارِضيِن الهُواة وقد تمكَّنوا عن عِلمٍ ومهارةٍ مِن معرفة أدقِّ التفاصيل بمقتنياتهم، وتتأكد بنفسِكَ مُعاناة بعضهم في السَّعي لاستكمال ما نقص من مجموعات كانت بأيديهم لتكون متكاملة حسبَما كانت عليه حين صدورها.. وتجدهم يحدثونك عن مراحلها التاريخية حسب تسلسلها الزَّمني وقِيمة كلٍ منها وما تتمتع به من ميزات وخصائص مع تبيان مغزى رسوماتها ورموزها وشخوصها وما تعنيه الأختام المثبتة على فئات منها في شرحٍ ينمُّ عن دِرَايةٍ وفَهْمٍ لتعميم المعرفة وتوسيع المدارك.
بقيَ ان نبارك لجمعية هواة الطوابع والعملات الأردنية حرصها على المحافظة على هذا الإرث الغَنِيّ ولنجاح معرضها الرابع. وإلى مزيدٍ من التوفيق في مسيرتها في هذا الحقل الواسع بمراميِهِ النبيلة الهادفة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.