هَلاَّ رَفعنا عن الناس شَيئاً مِن قلقِهم وهَلَعِهم مِن وباء كورونا!
بقلم: حنا ميخائيل سلامة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
لا يختلف اثنان على أنَّ وباء كورونا قد ألقى بظلالٍ قاتمةٍ على عالَمِنا بأسْرِه وذهبت مِن جرَّاء فَتْكِه ولشهورٍ أرواحٌ بريئة كثيرة، ثم أخذ يتقلص فَتكه السريع تدريجيَّاًّ بالرغم مِن استمرار تفشيِّه وظُهوره بمتحورات جديدة ويعودُ السبب للمطاعيم مِن جانبٍ، ولأخذ الناس بأسباب الوقاية اللازمة حسبَ التعليمات الرسمية مِن جانبٍ آخرَ. مع أمَلِنا جميعاً بأن يزول هذا الوباء وكابوسه المُرّ كلياً ويتعافى عَالَمنا كلّه مِن تأثيراته.
وليس يغيب عن الخاطِر، أن تفشي وباء كورونا والأوامر المُشدَّدة بمنع تَجْوال الناس لِشهورٍ مَنعاً للاختلاط ومضاعفاتِه، مع ما رافق هذا من تعليماتٍ للمُكوث في البيوت وعدم الاحتكاك وإلزاميَّة التباعُد، واشتراط وضع الكمامات، وارتداء القفازات الطبية، والأخذ بأسباب النظافة الزائدة في تعقيم الأجساد وتطهير الأشياء كلِّها مِن التلوث، بما في ذلك الترهيب المُفرِط الذي كان يتوارد مِن خلال شاشات التلفزة المختلفة ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي واختلاط المعلومات في حالات، قد جعل أعداداً لا حصرَ لها تعيش في قلقٍ نفسي وتوترٍ وفَزَعٍ بالإضافة لاضطرابِ الأفكار مِن المخاوفِ وَ وَساَوسَ قَهْرِيَّة مُصَاحبة. وهناك مَن آثروا مِن جرَّاء الخوف الشديد الانزواءَ التَّام والعُزْلة حتى عن أقرب المقرَّبينَ إليهم فتغيَّر نظام حياتهم كلياً وظهرَ الوَهَن على أجسامهم.
ولمَّا كانت الصحة النفسية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالصحة الجسدية، وَتأثُّر الصحة النفسية مِن أيَّة عوامل كالمُشار اليها يعني تراجعاً في الصحة الجسدية، فقد جرت العادة في دول مِن عالَمِنا أنَّه حين يتفشى وباء مُعيَّن تُسارع الجهات الطبية المَعنيَّة بالإضافة لذوي التَّخَصُّص بالأمراض النفسية في القطاعين الحكومي والخاص مع أساتذة عِلم النَّفس في الجامعات، للقيام بالواجبات والمسؤوليات المنوطة بهم وإيلاء تأثيرات ومُضاعفات الوباء على الجانب النفسي للناس. فتعمل على معالجة ذلك مِن خلال مراكزَ صحية خاصة وبالتركيز في الوقت نفسه على برامج عِلمية طبية تحليلية تُقدَّم من مختصينَ مِن ذوي الكفاءة العالية وتُبث في وسائل الإعلام كلِّها فَتُوَجِّه وتُرْشِد وتُبدي النصائح لنزع القلق والخوف والاضطراب مِن النفوس، وتُخرِج الناس من عُزلتها وانطوائها وتمنحها الثقة، وتُعيد التوازن النفسي اليها والاستقرار والتفاؤل لِتُقْبِلَ على الحياة من جديد وتُسهِم بدورها داخل محيطها ضِمن ضوابط مُحدَّدة.
وعليهِ، لقد آنَ الأوان عند المعنيين بالشأن الصحي عندنا والذين نثق بجهودهم ومُنجَزاتهم، للتَفَطُّن لهذه المسألة البالغة الأهمية وإيلاء مضاعفات وتأثيرات وباء كورونا على صحة الناس النفسية، وما ترتب على ذلك مِن مظاهر سلوكية وانفعالية وغير ذلكَ مِما سيكشفه الأطباء والمختصون ويجدون لكلِّ ذلك حلولاً قبل ان يتأخرَ ذلك فتتفاقم الحالات وتكون الكلفة عاليةً على المجتمع والوطن. ومن المُهِمِّ الإشارة هنا، لِمن يقول هَا قد تقاطرت الناس على حفلاتٍ كبيرة واحتشدت وليس من يشكو القلق فيهم ولا الخوف ولا أيَّة عوامل نفسية.. وكأن القائل يبني على هذه العيِّنة كمعيارٍ لحال الناس كُلِّ الناس، متناسياً تلك الشريحة الواسعة التي آثَرَت التقيد بالأوامر والتعليمات حرفياً ولا تزال لِخَوفها وَتَوتُّرِها وقَلقِها مُرابطة في بيوتها ومُتمسِّكة بأسباب الانعزال والتباعد وعدم الاختلاط وتُفْرِط في استخدام المعقمات والمطهرات وغير ذلك مِن إجراءات، فانعكس ذلك عليها بمظاهر وسلوكيات نفسية وما ماثلَ.
ثمةَ ملاحظة تتعلق بأهمية أنْ تلتئمَ مجموعات أطباء مَهَرة مِن جميع التخصصات الطبية في حلقات تلفزيونية وعبر وسائل الإعلام المختلفة لشرح وتبيان التداخلات الدوائية للعلاجات التي يتناولها المرضى في العادة ومدى تأثير المطاعيم عليها لأخذ ما يلزم من احتياطات بكل شفافية. إذ أنَّ التعميم بأن جميع العلاجات دون استثناء تتوافقُ بالتمام مع المطاعيم لا يزالُ مَدعاة قلقٍ ورِيبَة في نفوس المرضى الذين لم يُقدِموا على أخذها. آخذين بالاعتبار أن جميع الأدوية تُشير النشرات المرفقة معها لتحذيرات من التداخلات الدوائية وغير ذلك!
في ظاهِرَة تزاحُم مَن يُطلِقون على أنفسِهم صِفة خُبراء!
حنا ميخائيل سلامة نعمان
لا أحدَ يُنكِر أنَّ لدينا في الأردن خُبراء بكل ما تعنيه هذه الكلمة من مَعنىً وفي مجالات اختصاصات مختلفة. والخبيرُ هو المُتَعمِّق في المَعرفة بكُنْهِ تخصُّصِه، وهو المؤَهَّل وصاحب الإلمام الواسع والعَالمِ بما يُحيط بمجال ذلك التَّخصص وغاياته وبواطِنه. ويتأتى هذا مِن عِلمٍ واسعٍ وخبراتٍ عَملية ممتدة لسنواتٍ وغير ذلكَ مِن مُوجِبات. ولِمَا لكلمةِ خبيرٍ مِن اعتبارٍ في دول العالم المُتقدِّمة فلا يُمكن لأحدٍ أن يُطلقها على نفسه ما لم تتوفر فيه الصِّفات المذكورة آنفاً، وربما يُطْلبُ تعزيز ذلك ببحوثٍ ودراساتٍ ووثائق مُسَانِدَة لِيُجازَ له ذلك. على ما سبق، فإنَّ المُتابع المُتفحِّص لِمَا يجري تداوله هذه السنوات في وسائل إعلامٍ مُختلفةٍ يُصاب بالدَّهشَة إذْ يجدُ مَن هبَّ ودبَّ يُطلقُ على نفسه صِفة خبيرٍ أو يَجدُ ضالته مِن خلال عُلاقةِ صداقةٍ مع إحدى مَحطات التلفزة أو الصُّحُف أو وسائل إعلام أخرى فيُصار لترويجه على أنَّهُ خبيرٌ، بل وصاحب خِبراتٍ واسعةٍ دونما وجهِ حقٍ، والغرض الكامِنُ وراء هذا لإبراز الشخص ولفت الأنظار اليه ورفع شأنه أمام الناس.
وفي السِّياق، لا بًدَّ مِن التنبيه إلى أنَّ حَمْلَ الشخص لدرجةٍ جامعية من كلية مُعينة لِمَبْحَثٍ أو مادةٍ درسها لا يعني أنَّه صار خبيراً فِعْلياً مُتَمكِّناً مِن ذلكَ المَبْحَث وتلكَ المادة، فيتم اعتبار ما يُدلي بهِ أو يكتُب في شأنه مُعتمَداً ومُستنَداً ويأخذ يُطلق على نفسه صِفة خبيرٍ. فالدرجة الجامعية -التي لها احترامها- تتطلبُ مزيداً من التحصيل والبحث والعمل الميداني والعَملي لسنواتٍ لاكتساب مهارات وخِبرات.
إنَّ الكتابة عن هذه الظاهرة تجيءُ مِن باب الحِرص والمسؤولية ولشَدِّ الأنظارِ لضرورة تَحَرِّي الحقائق، فلا يُعتبَر كلّ ما يُذاع أو يُبث أو يُنشَر في شتى الموضوعات مِن مُدَّعِينَ أنَّهم خبراء، مَرجِعاً يُتَّكَئُ عليه أو مصدراً حقيقياً لاسْتِسْقاءِ المعلومات والأخذ بها والبناء عليها وكأنَّها ثوابتَ ورَكائزَ، لخطورة هذا الأمر ولِما يحمله من مضاعفات سلبية وتأثيرات. آخذين بعين النظر أيضاً سرعة تقنيات التواصل والاتصالات في تَلَقُّفِ ما يُنشرُه هؤلاء وتداوله على ضَحالتِهِ وفي أوسع نطاقٍ وكأنه لا يتوفر عندنا خُبراء أكْفِيَاءٌ يُشْهَدُ بواسِع عِلمِهم وجدارتِهِم. وعليهِ ينبغي العودة في الرأي والمشورة إلى الخبراء الحقيقيين مِمَن جرى ذِكْرُ صفاتهم في مطلع المقال مِن أصحاب الكفاءات العالية والخِبرات العِلمية والميدانيةٍ والبَحْثية المُثبَّتة، كذلكَ التركيز عليهم في وسائل الإعلام واستقطابهم للحديث والفَصْلِ في شؤون مِن اختصاصهم، فَهُم أبعد ما يكون عن التنظير والاجتهاد والمزاجية كما عرفناهم، وكما نراهم لا يُروِّجونَ أنفسهم ولا يطلبون ثناءً أو مديحاً، بل يعملون بصمتٍ لِما فيه خير الوطن حَاضرهِ ومستقبله.