بقلم: حنا ميخائيل سلامة نعمان
هل أقدمت الجهات المعنية على ضبط ما يجري في المخابز كلها دون استناءٍ، وملاحقة كل من يحول الطحين المدعوم والمخصص لصناعة الخبز العربي الكماج الحجم الكبير، لصناعة الحلويات والمعجنات والكعك،هذه الأصناف التي تتكل عليها أغلب المخابز لتحقيق أرباح كبيرة بحيث صارت تحتل حصة كبيرة من أرفُفِها؟ نعم هل قامت بتلك الخُطوة قبل التفكير بمشروع رفع الدعم عن الخبز المدعوم وهو قوت المواطن الذي لن تنصفه لا الكوبونات ولا غير ذلك من أساليبَ لتعويضِ ما سيتكبده في ظل ظروفٍ معيشية تُثْقِل كاهله، وللمواطنين في ذلك تجربة سابقة ارتفعت فيها الشكاوى والتذمرات ويمكن الرجوع لما كُتِب عنها ووثِّق!
أيُّ حالٍ حالُهم!؟
"لا شيءَ في الجو وآفاقِه أصْعدُ مِن دعوة مَظلوم"
بقلم حنا ميخائيل سلامة
أيُّ حالٍ حالُ مَن فقدوا المُعيلَ والسَّندَ والعَون في غَزَّةَ، وباتت الدموع لا تفارق مَحاجر عيونهم، والأسى يشتعلُ في حنايا صدورهم!؟
أيُّ حالٍ حالُ اليتامى والأرامل والثكالى والمكلومين الذين باتوا يَعجنون خبزهم بالدموع.. تلكَ الدموع السَّاخنة المُنسكبة من مآقيهم إلى خدودهم إلى ثغورهم!؟
أيُّ حالٍ حالُ من هبطت على بيوتهم الآمنة وفي محيطها صواريخ الفَتكِ وأدوات الحَرب العدوانية الجائرة فاصطادت شظاياها أجزاءَ من أجسامِهم وبَتَرتها أو عطَّلت غيرها لتلازمهم العاهات الجسدية وتُقْعِدهم في مُعاناةٍ واوجاع وتنهدات ما امتدَّ بهم العمر!؟
أيُّ حالٍ حالُ مَن هُجِّروا عُنوةً أو شُرِّدوا من جرَّاء التضييق الخانق، أو فَرُّوا رغماً عنهم للنجاة بأنفسهم من نارِ الحرب وشَرِّها، فباتت السماء ألحِفةً لهم يتدثرون بها، والأرض العارية فُرُشاً لهم. فأخذوا يستدفئون بتنهداتهم علَّها تُبْعدِ عن أبدانهم المرتجفة شيئاً مِن هبوب العواصف وبَرْد الشتاء القارس الذي يُداهِم بِشِدَّتِه أبدانهم فيكاد يخترقها!؟
أيُّ حالٍ حالُ مَن ذَهبت، بل إمَّحَت عن خريطة المكان، مَعالِم دُوُرِهِم وبيوتهم التي كانت تروي مسيرة العُمُر وتأويهم نابضةً بالألفة والوئام، وكذا حالُ باحاتها الشاهِدة على ذكرياتٍ حُلوة ولقاءات حَمِيمية جَمَعت أبناء المذاهب والطوائف معاً ورفرفَ في اجوائها التناغم والانسجام!؟
أيُّ حالٍ حالُ مَن تلاشت، بل سُوِّيَت بالأرض إثرَ هَدمِها بفعل الحَرب العدوانية الشَّرِسة، أبواب أرزاقهم وتبدَّدت المَحَال والمصالح التي كانوا يتعيَّشون مِن دَخْلِها ويقومون بِأَوَدِ عوائلهم منها!؟
أيُّ حالٍ حالُ مَن يَطالُهم العُنف وتمتد إليهم أيدي الغَدر والكيد -وقد امتدَّت بالفِعل- لِتُسكِت أصوات الحق التي بها يَصدَحون كأعلاميين وصحافيين وتغييب ما يَرَونَه بأمِّ العَين فيبثُّونَه!؟
أيُّ حالٍ حالُ الشيبِ والشُّبان والأطفال مِمَن رغماً عن إرادتهم، ينتظرون مُرتقبينَ في صُفوفٍ طويلة وفي أيديهم القُدور والآنية والعبوات علَّهم ينالون يَسِيراً مِن الطعام، أو شيئاً مِن الماء لسدِّ رَمَقِهم وإرواء عَطَشِهم. وهُم لم يَقبلوا مِن قَبل مِنَّةً مِن أحدٍ أو شَفَقةً مِن غيرهِ لتبقى عِزّة نفسهم مَصونة وكرامتهم محفوظة!؟
أيُّ حالٍ سيؤول اليه حال الأطفال الأبرياء حين يشتد عَضُدُهم ويكبٌرون. وَهُم الذين التصقت بعيونهم مشاهد الموت والدمار، واختُزِنَ في عقولهم هدير الطائرات وأصوات آلات الحرب، ولازمَ أسماعهم دويِّ المتفجرات يُرافقهُ عَويلٌ وآهات مَن فقدوا الأمّ والأب والأخت، والأخ والجار!؟
مَن يَرثي، ومَن يبكي، ومَن تُراه سيذكُرُ مِن بعد مَن انهارت فوق رؤوسهم على حين غَرَّةٍ، البيوت التي كانت تأويهم فأودت بأرواحهم البريئة وارواح عوائلهم بالجُّملة فما عاد لهم وجود سوى مِن سجلاتٍ النفوس وتعدادها!
مَن يَرثي، ومَن يبكي، ومَن تُراه سيذكُرُ مِن بعدُ الضحايا الأبرياء الأصفياء الذين سقطوا في المساجد والكنائس والمشافي ودور العَجَزة ومراكز إيواء الأيتام ومؤسسات التعليم بمراحله المختلفة!؟
وتزدحِم الأسئلة على اللِسان: فأيُّ حالٍ حالُكِ غزَّة!؟
وأيُّ حالٍ حالُ عَالَمِنا الذي غُيِّبَت فيه الموازين الإنسانية والأخلاقية والقِيَمِيَة؟ عالمنا الذي باتت تَستهويه حِياكة الكلام ونَسْج تعابير التعاطف لِمَرَّةٍ والاستنكار والإدانة والشجب لِمراتٍ، وليس مِن أفعال تتمثلُ بِهَبَّة عالمية فورية شُجاعة لوقف شلال دم الأبرياء ولِرَدِّ سهام العدو الغاشم التي طال أمَدُ تطايرها وحيثما أراد أعداء الحياة وخصوم السلام!
وصدقَ أمير الشعراء أحمد شوقي بقولهِ: "والحربُ يَبعثها القويّ تجبراً وينوءُ تحت بلائها الضعفاءُ"
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.