آفة المخدرات بأصنافها مصدر قَلق للشعوب كلها!
حنا ميخائيل سلامة نعمان
كلَّما طالعتنا الصُّحف بتمكن الجهات المَعنيَّة من إحباط عمليات تهريب مُخدِّرات أو إلقاء القبض على تُجارِها ومُروِّجيِها سَرَّنا ذلك. ومَنبع السرور أنَّ تحصين أبناء المجتمع من هذه الآفة التي باتت مصدر قلقٍ ليس على المستوى المحلي فحسب، بل لدى الشعوب كلِّها مسألة بالغة الأهمية. ويعود الانتشار السريع لتجارة المخدرات في العالَم للأساليب البالغة التنظيم ولِتفنُّن المنتجين والمصنِّعِين والمروِّجين ومن يدعمهم، فهدفهم جميعاً تحقيق مكاسب مادية فلَكيَّة وإن كانت على أكتاف الفتك بصحة الناس وتدمير حاضرهم ومستقبلهم بالإضافة لِنسف الثوابت الاجتماعية والأخلاقية وغير ذلك.
إن ما يُنشر من أنباء حول الجهود الموصولة المخلصة في إحباط عملياتِ تهريبٍ تجري بأساليب لا تخطر على البال، وبكميات كبيرة يتمُّ الإعلان عنها بشفافية، يدل بوضوح على وجود سُوقٍ وطلبات متزايدة مِن مُتعاطيِّ هذه المواد. ويؤكِّد في حالاتٍ أنَّ ليس كلّ ما يُمْسَك يكون مُتَّجِهاً لِدول أخرى. وعليه مِن الحقِّ الاعتراف أننا أمام قضية كبيرة خطيرة يجدر تسليط الضَّوء عليها بشكل واسع وعدم تبَسيطِها، بل استنفار الطاقات الرسمية ومضاعفة الجهود لمنع تفشِّيها أكثر والقضاء عليها بالتعاون مع آلاف مؤسسات المجتمع المدني من ثقافية وتعليمية واجتماعية ورياضية وغيرها، هذه التي يفترض بما تملكه من قُدُرات بشرية ومادية أن لا تحصِر أنشطتها وتؤطِّرها ضمن مُسمياتها فقط، إنما يُفترض ومن حِسِّها الوطني ومِن فائضِ الدعم الذي يتلقاه بعضها مِن ميزانية الحكومة أن تُسهِم بحلّ القضايا والمشكلات والتحديات التي تقع في المجتمع.
ولسنا بصدَدِ عرض الأضرار الصحية البالغة الخطورة التي تلحُق بالمتعاطين فالطِّب يؤكِّد تأثير المخدِّرات على أعضاء الجِّسم وأجهزَتِه كلّها، يواكب هذا اضطرابات نفسية وسُلوكية تقضي على حياة المتعاطين وربما تقودهم للقيام بممارسات عدوانية وغيرها. يواكب هذا دمار بيوت أسَرِهِم وذويهم وخسارة المجتمع لِقُدُرات كان يُمكن لها أن تُسهم في البناء والتطوير لا أن تُمْسَخ صُورتها في المجتمع!
وحَريٌ مع عدم نُكران الجهود المخلصة المبذولة، فتح الأعين على نحوٍ أوسعَ كيلا تدخل البلاد بطرق مُلتوية، البذور المستعملة لزراعة بعض أنواع نبات الحشيش، مع مُضاعفة الجهود مِن قِبَل الكوادر الميدانية في وزارة الزراعة وغيرها لِلكشف في حال توفُّر مزارع تُنتج محصول الحشيش أو تُصَنِّعُه من خلال عمالة وافدة تحديداً لإيثار هذه العمالة الصمت على ما تقوم به مِن أعمال حفاظاً على معيشتِها!
وفي السِّياق، لا بُد من قرع جرس الخطر حول اندفاع وَنَهَمِ فئات شبابية مِن الجِنْسَيَن، وانقيادها الدائم لِنوادٍ ومَقاهٍ ومطاعمَ مُحدَّدة.. وكأن تُمباك وَمُعسِّل نراجيلها تمزج بصنوفٍ بما يخدِّر أو يُعطي نشوة بما يتطلبُ مضاعفة إجراءات الرقابة على عمل ومرتاديّ تلك المواقع. وليس يغيب عن الذهن، أن هناك فئات من أعمار مختلفة تُقدِم وقد اعتادت على شراء مواد للإستنشاق مِثل: سبيرتو/ آجو /بنزين/ غاز القدَّاحات وغير ذلك وجميعها يُباع بثمن زهيد في سائر المحال، لتفعل فِعلها بالدماغ فَتُسَطِّل متعاطيها أو تدفع لميول عدوانية وتصرفات غير محمودة. وهنا يبرز دور الأهل في مسؤولية مراقبة سلوكيات أبنائهم الذين ولغياب خبرتهم في الحياة وجهلهم بمضاعفات تصرفاتهم يقعون مع الأيام فرائس لآفة المخدرات بأصنافها الفتاكة. كما أن عيون المعلمين في المدارس ينبغي أن تكون مفتوحة في حال ملاحظة أية ظواهر سلوكية أو جسمية او نفسية على الطلبة تكون ناجمة عن تعاطي ما تم ذِكره ومتابعة الأمر مع الأهل ومع من يعنيهم الأمر. يجيء هذا لوقف أي تدهور وتمادٍ في الحالات ولتأهيل المدمنين ومن انغمس بهذه الآفة مبكراً في المراكزَ المتخصصة.
ومع الثقة بآلية عمل مستودعات المستشفيات وصيدلياتها وكفاءة العاملين فيها، لكن لا يضيرُ أن تكونَ تلكَ التي تشهد ازدحام عملٍ في ساعات النهار والليل تحت مزيدٍ مِن المراقبة، لئلاَّ تقع حالات تسريب حُبوب وغيرها مِما يقتضيه العمل الطبي العادي أو الجراحي للتخدير والتنويم مِن قِبَل أيٍ كان إلى خارجها. ولعلَّ أهمية أيضاً تكمُن في مزيدٍ من فتح العيون على صيدليات قريبة من تجمعات طلابية من جامعات وكليات وغيرها في مناطق مختلفة كيلا تباع بطُرقٍ معيَّنة أو تحت الإكراه حبوب تخدير وتنويم وهلوسة بالرغم من عدم جواز بيعها إلا مُقابل وصفات طبية رسمية.
وختاماً إنها مسؤوليتنا جميعاً أن نُعِدَّ الشخصية السَّوية المتكاملة الناضجة الواعية والقادرة على أن تكون قوةً مُنتجة فاعلة في المجتمع تتمكن بطاقتها الجسدية والنفسية غير المضطربة من مجابهة متطلبات الحاضر وآمال المستقبل!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
في عدم التزام أغلب محلات بيع الخضار والفاكهة بإعلان الأسعار!
حنا ميخائيل سلامة
ليسَ حسناً أن تبقى محلات بيع الخضار والفاكهة ومعارضها المنتشرة في مناطق كثيرة بعيدة في أغلبها عن أنظار الجهات الرقابية. ولبرهان هذا فإنك تجد إصرار أصحابها على عدم إعلان الأسعار وتثبيتها بمحاذاة الأصناف المُعدَّة للبيع، وكأنهم في هذه الممارسة لا يكترثون بالقوانين والتعليمات الرسمية المُلْزِمَة بوضع الأسعار. والحالُ نفسه ينطبق على الأسواق الشعبية، هذه التي يتوقع مَن يذهب للتسوق منها أن أسعارها مُتدنِّيَة فيخيب ظنه وفوق هذا لا تجد من يلتزم بإظهار الأسعار!
إنَّ ما يُزعج المواطن، أن يجد الذرائع والحِجج جاهزة على ألْسِنَة الباعة عند الاستفسار عن سبب عدم تسعير الأصناف المعروضة. هذه الذرائع يجب أن تضع الكوادر الرقابية حداً لها كونها جاهزة ولا تتغير بمرور الأيام مَا يدّل عن قصدٍ في التلاعُب بالأسعار! ومِن هذه النماذج: "وصلت الخضار قبل قليل ولم نجد وقتاً لتسعيرها وسنُسَعّرها بعد قليل"، أو: "كانت قائمة الأسعار موجودة لكن وقعت أو اختفت مع ازدحام الزبائن"، أو يدّعي صاحب المعرض أن عامِلاً تغيَّب عن العمل ولم يتمكن هو من كتابة الأسعار، أو يتظاهر أن المُذنِب هو العامل عنده وسيأمره حالاً بوضع الأسعار. أو يقول:" الأسعار ليست مشكلة"، حتى إذا جمع المواطن حاجته جرى التلاعب ورفع السعر دون رحمة. ويعمد تجارٌ لِوضع لوحات كرتونية في زوايا غير واضحة كُتبت عليها أسعار جُزءٍ بسيطٍ مِن المعروضات، يجيء هذا دفعاً للمساءَلة والمخالفة فيشيرون إليها إن مرَّت كوادر الرقابة عليهم، ومن جانب آخر للتلاعب بأسعار بقية الأصناف غير الواردة في اللوحات على ضَوء هيئة الزبون وعمره وجنسه ومدى يقظته!
وقد تفنَّن بعضهم في أسلوب التلاعب بحيث يضع سعراً منخفضاً لصنفٍ في مدخل محله ليجذب الزبائن ويضع الصنف عينه والمُدَّعَى أنه أجددَ أو مَحصول دولة أخرى في ركن داخلي بسعر أعلى، وما أن يتوجه الزبون الذي اشترى الصنف الأقل ثمناً للدفع مع جملة مشترياته، ضُرب الصنف على السعر الأعلى عَن عَمَدٍ، ما لم ترصد عين الزبون هذا السلب المكشوف فيأخذ البائع باجترار أكاذيبَ نُسِجت بدهاء وأنَّ ما وقع مجرد غلطة ليس إلاّ!
إنَّ ما ينطلق مِن أفواه باعةِ محلاتٍ ومعارضَ لا تلتزم بإعلان الأسعار مطلقاً وموجودة في شوارع فرعية وأحياء سكنية مختلفة بأنَّ الجهات الرقابية لا تأتيهم لثقتهم بنهج عملِهم السليم، هذه المسألة إن صَحَّت تتطلب مضاعفة الرقابة على هكذا محلات لوقف أية حالات استغلالٍ قائمة.
وفي السِّياق، من المستغرب أن يُقال مِن بعض مَن يعنيهم الأمر حين طرح مشكلة عدم تسعير البضائع "مَن لا تُعجبه أسعار محلٍ أو معرضٍ فهناك عشرات المحال البديلة". إن هذا القول غير المُنصف يَصلُح أن يُقال لِمن لديهم مركبات خاصة يمكنهم التجول فيها واختيار الملائم ولا يصلُح لأكثرية لم تُسعفها الظروف لاقتناء مركباتٍ فتراها تلجأ لمحلات ومعارض قريبة فتكون تحت سَطوةِ أسعارها!
ثمَّة نصيحة نضعها أمام بَصر مَن يذهب للتسوق أو مَن يُرسل فرداً مِن عائلته، أن يُصِرَّ على طلب فاتورة أو على الأقل ورقة يكتُب فيها البائع مهما كان حجم محله وموقعه وزن كل صنف بصنفه وسعر الكيلو الواحد مِنه وثمنَه الإجمالي، وألاَّ يعتمد على رقمٍ واحد يشير لمُجمل مشترياته فيدفعه ويمضي. هذا النهج في غاية الأهمية ولن يريح الفئة التي تستمرئ التلاعب، وقد تغضِبهُم لأنهم كما يزعمون موضع ثقة الزبائن، وقد يدعي بعضهم ازدحام العمل وتعذر كتابة فاتورة أو منح ورقة الصندوق، هنا سيكتشف المواطن كم تمَّ التلاعب بأسعار ما اشتراه مِن قبل وأيضاً كم تمَّ العبث بأوزان ما اشتراه على مدى سنوات دون أن يكلف نفسه مِن التحقق ولو مرة واحدة من صِحَّة الأوزان. أما الموازين في بعض المحلات فهي ميدان يُتقَن فيه التلاعب والغش، فبعض الأصناف المنتقاة يخزَّن سعر الكيلو منها في حواسيب صناديق الدفع على خِلاف أسعارها الحقيقية، أو يتم ضرب الوزن بسعر صنف آخرَ مرتفع الثمن، لأن الزبون يدفع سعراً إجمالياً دون أن يعرف تفصيلات مشترياته.
وختاماً نأمل من وزارة الصناعة والتجارة والتموين وضع حلولٍ تكتسب صفة الديمومة لِما سبق ذِكرُه لأنه يتعلق بقوت المواطن اليومي ونخص هنا أصحاب الدخل المتدني والمتوسط الذين لا ينفكون يتظلمون من هذه القضية وآن الأوان لسماع تظلماتهم. ولعلَّ في تدخل دائرة ضريبة الدخل والمبيعات في موضوع نسبة الربح المرتفعة التي يستوفيها كثرة من باعة الخضار مقارنة مع كلفتها الأصلية، ما يردعهم ليخفضوا الأسعار وبعكس ذلك استيفاء الضرائب على ضَوء أرباحهم الخيالية!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
إلى متى خَنقُ عَمَّان بمزيدٍ من الأبنية الضَّخمة؟
حنا ميخائيل سلامة نُعمان
مِن الإنصاف القول، أن الدولة قد شجعت المستثمرين وفتحت لهم المجالات المختلفة مع تسهيلات مُعيَّنة للمُضي في مشاريعهم، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى يتمّ تركيز المستثمرين مِن الأردن أو خارجهِ على العاصمة عَمَّان، ونخص بالذّكر في مشاريع الأبنية التجارية الضخمة أو الإسكانية ؟ وإذا كانت الدولة قد وفَّرت شبكة واسعة من الشوارع والطرق لتُقصِّر المسافات بين العاصمة وسائر مناطق المملكة، فهل من المنطق أن تستمر الاستثمارات التجارية أو الإسكانية الضخمة على الرقعة الجغرافية المحدودة لعَمَّان أم يُفترَض توجيهها لخارج حدودها؟ والكُلّ يُلاحظ ما تعانيه العاصمة من اختناقات بسبب ازدحام مشاريع ضخمة قَلَبَت مخططاتها التنظيمية المعهودة فأفقدتها نَسَقَها، وحجبت إطلالاتها الرائعة، وقلبت موازين راحة أهلها وسكانها، كما وضغطت على شوارعها وطرقها وأحيائها بأزَمات سَيرٍ ومرورٍ نُعاني منها حالياً وسنبقى، بالإضافة لتراكم مرَكبات مُشْغِليِّ تلك الأبنية في مُحيطها، مَا نجم عنه اقتطاع أجزاء من الشوارع وتضييقِ مساربها. وليس يغيب عن الذهن، ما تركته من أثَرٍ سلبيٍ على الوضع البيئي بالإضافة للضغط على شبكات الصرف الصِّحي وغيرها التي ما عادت تستوعب المتدفق إليها.
وفي الحقِّ أنّ القلق بات يعتمل في صدور أهل عمان من أن تتحول أية قطعة أرضٍ فارغةٍ مُجاوِرَة لبيوتهم، إلى بناءٍ تجاري ضخمٍ أو إسكانٍ شاهقٍ يضمُّ عشرات الشِّقق أو أضْعافَ ذلك مِن الشقق الصغيرة التي يُطلق عليها مُسمَّى "ستديوهات"، فتحاصرهم وتحبس عليهم أنفاسهم مع احتشادها بأعداد غفيرة من الناس، بالإضافة لضغط مركباتهم على شوارعها وطُرقها الضيِّقة أصلاً. هذا الأمر وقع في عددٍ من المناطق، بل استغل الكثيرون ما كانت الأمانة قد إجازته بقرارٍ سابقٍ وهو السماح بترخيص مهن محددة داخل الشُّقق في أبنية سكنية هذا الأمر الذي جرى رغماً عن إرادة المواطنين الذين أبْدَوا استياءً من الاعتداء على خصوصية شققهم السكنية التي باتت تُلاصقها -الباب بالباب- تلك المهن التي تشهدُ تقاطر المراجعين والزبائن إليها! هذا وقد توجَّهت أنظار مَن يَزِنُون حِساباتهم بميزان الربح ولو على أكتاف طمس المعالِم وإلغاء الهُويَّة الجميلة لعمان، فأخذوا يكتسحون المناطق التي تتوفر فيها أبنية صغيرة الحجم نسبياً لكنها ذات صِبغةٍ عمرانية تراثية جميلة، حيث يتمَّ هدمها وتشييد مشاريع تجارية كبيرة عليها أو إسكانات عامودية ضخمة.
ومن غريب الأمر، ومع ما نشهده من أزمات مرورية قيام الأمانة - مع الاحترام لجهودها -بمنح تراخيص مهنٍ لبقالات أو معارض نباتات وزهور وغير ذلك قرب دوارات مهمة على شوارع رئيسية، في عدم تقدير أن مركبات المتسوقين وآليات نقل البضائع ستصطف على شوارعها فتكون سبباً لاختناقات مرورية، بل لحوادثَ مُروِّعة والبراهين متوفرة!
وخِتاماً، إن استشراف المستقبل واستجلاء متطلباته يُحتِّم توجيه الاستثمارات والمشاريع بتخطيطٍ عصريٍ وبرؤية غير آنيةٍ، بل بعيدة المدى لتلائم المستقبل والازدياد السكاني وغير ذلك!
hanna_ salameh @yahoo.com
إضَاءَةٌ على كِتاب:
"قضاءُ الإلغاءِ أمامَ المحاكم الإدارية في مِصرَ والأردن"
بقلم: حنا ميخائيل سلامة نُعمان
بين أيدينا الآن كتابٌ برزَ للنور حديثاً عُنوانه "قَضاءُ الإلغاءِ أمامَ المحاكمِ الإداريةِ في مصرَ والأردن". والكتابُ مِن القَطْع الكبير ضمَّ بين دفَّتيه نحوَ ستمائة وخمسين صفحةً، شكَّلت بمُجمَلِها دراسةً موسَّعةً اتَّسَمَت بالموضوعية والشمولية والعُمقِ البَحْثِيّ لتُغطِّي موضوع القضاء الإداري على نحوٍ مائزٍ مُتفرِّدٍ وهادفٍ، بِقَلَم أُستاذ القانون العام المحامي الدكتور نوفان منصور العجارمة وأستاذ القانون الدكتور رمضان محمد بطيخ. وإذ أُسلِّطُ الضَّوءَ على صُدور هذا الإنجاز وعلى الجُهدِ الكبير الظاهر للعَيان مِن الموضوعات الكثيرة المؤْتَلِفَة في مَداها والتي يَزخَرُ بها، فإنَّ غايتي تَعميم المعرفة بالإنجازات الفكرية الهادفة البنَّاءَة والتي تُشكِّل تراكماً لخبراتٍ وتجاربَ وممارسات عملية مقرونة بمخزون عِلميٍ واسعٍ وَبَحثٍ وتحصيل. وهذا ما يَتَمتَّعُ به وَيُشهَدُ له عِندَ الثِّـقَاةِ لِلأُستاذَيْن الجَّليِلَيَن المُؤلِّفَين المُنْسَجِمَيْنِ في الرؤى والأفكار والأهداف. ولا أُخْفي هُنا، أنَّ الكاتِبَ مِثلي مَدفوعٌ إلى الكتابة بطبعهِ وبِما يتملكه مِن الشعور بالغبطة حين تَصْدُر مِثل هذه المؤلفات التي تخدمُ مَعْشرَ القُرَّاء المُهتمِّين، بالإضافة للباحِثين وطلبة القانون في الدراسات العُليا والعاملين بالتخصصات القانونية.
وفي إضاءةٍ خاطفةٍ على هذا العَمَل القيِّم أقتبِسُ بِما جاءَ في مُقدِّمَتِه:" لقد اتسع نطاق العمل الحكومي في عالمِنا المعاصر، حيثُ ارْتادَت الإدارة العامة كافة المجالات الأمر الذي كان له أثرٌ إيجابي في تلبية احتياجات المواطنين ومتطلباتهم المتعددة وذلك بما يحقق الرخاء والرفاهية لهم. إلا أنَّ هذا الأثر الإيجابي قد يَخبو، بل وقد ينقلب إلى أثرٍ سلبيٍ إذا لم يكن هناك توازنٌ عادلٌ بين ما تتمتع به الإدارة من امتيازات تُمكِّنها من أداء وظائفها ومن ثمَّ تحقيق النفع العام للأفراد، وبينَ ما يتمتع به هؤلاء الأفراد أو ما يجبُ أن يكون لهم من حقوق وحُريات". وقد وردَ بعد هذا تَبْياَنٌ "لآليةِ تحقيقِ مِثل ذلك التوازن وأبرز وأهَمِّ متطلباتِ ضَمَانِه".
هذا وَتَتَبدَّى لنا الأهمية الكامِنَة وراءَ الاشتغالِ بهذه الدراسة تحديداً ومحورها القضاء الإداري، وأقتَبس هُنا بما جاء في مٌسْتَهَلِّ الكتاب: " ليسَ لأنَّ القضاء الإداري هو الرقيب الأول على مشروعية أعمال الإدارة ومِن ثمَّ الحِصن المنيع لضمان وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم فقط، وليس كذلك لأنه أقدر من القضاء العادي - بحُكم تخصُّصه وإلمامه بأعمال الإدارة وفهمِه لظروفها ومطالبها - على فَضِّ المُنازعات الإدارية، وإنَّما لأنَّ هذا القضاء يَتسمُ بالتجديد والتطوير. فهو قضاءٌ إنشائيٌ وليس قضاءً تطبيقياً فقط. بمعنى انه لا يقتصر بمجرد تطبيق القواعد القانونية القائمة ويكتفيَ بها، وإنما يمتد عمله - إذا لم يجد حلاً للمنازعة المعروضة أمامه - إلى خلق وابتداع القاعدة التي تلائم تلك المُنازعة. إضافة لدوره في تفسير القواعد القانونية وتطويرها لتتلاءَمَ مع مستجدات الحياة وظروفها".
وتتوزعُ موضوعات الكِتاب على بَابَيْنِ اثنينِ، أوَّلُهُمَا حملَ عنوان "مَبدأ المشروعية وضمانات احترامِه" وثانِيهِما حَملَ عنوان" قضاءُ الإلغاء". وقد تفرّع عن هذين العِنوانَين نحوَ تسعينَ فَصْلاً ومَبْحَثاً ومَطلباً. بِما يَدُلُّ مع ما تناوله الكِتاب في صَفحاته مِن سَردٍ تاريخي لنشأة القضاء الإداري في الأردن ومصرَ وفرنسا وتطوِّر هذا القضاء وتنظيمه القانوني، على مَخزونٍ مَعرِفيٍّ وافِرٍ يُشكِّلُ مُحصِّلةً لمؤهلاتِ وخِبرَة وَفِطْنَةِ المؤلِّفَيْن بما يستحقُ الثناء.
وتجدُرُ الإشارة إلى ما يَحْفَلُ بهِ الكتاب بما صَدر مِن أحكام للمحكمة الإدارية الأردنية العُليا لسنوات يعود بعضها لسَنة 2015 وما بعدها مِن سنواتٍ، كما يَحْفَلُ بمجموعة كبيرة مِن قرارات مَحاكم العدل العليا الأردنية ومحاكِم التمييز. ويحفَلُ في الوقتِ نَفسِه بأحكام وقرارات لمحاكم القضاء الإداري المصرية ومحاكم الإدارة العليا المصرية. وقد واكب هذا إدراجٌ لأحكام صادرة عن القضاء الإداري الفرنسي وغيرهِ كنماذج لتعزيز موضوعات مطروحة ولتوسيع آفاق المَعرفة فيها. وفي السِّياق يُسَجَّلُ لِلْمؤلِّفَين تلك المقترحات الواردة في محطاتٍ مِن الكتاب والمُغلَّفة بتمنياتٍ موجَّهة لِكَوْكَبَةِ المُشرِّعِين تتعلق بتعديلات مُعيَّنة أو لإضافة عبارات مُحدَّدَة لنصوص قانونية.
وعلى ما سَبق ذِكرُه، فإنَّ الإضاءةَ السَّريعة على هذا المُنْجَز القيِّم في مدى السطور المُتاحة في مقالي هذا لا تُغني عن قراءَته والإفادةِ مِن موضوعاته. مع الأخذ بعين الاعتبار عدم معرفة كثرةٍ ساحقةٍ - مِن غير المختصين قانونياً - بمهامِ القضاء الإداري ومفهومه ومسؤولياته بالرغم مِن أهميته البالغة: "باعتباره قضاءً متخصصاً لرقابة الأجهزة الحكومية فيما تُباشِرهُ من أعمال وما تتخذه من قرارات، وردّها إلى جَادة الصواب إن حَادَت عنه" كما جاء في موضعٍ مِن الكتاب.
بقيَ أن أقدِّم الشكر لمعالي الأخ الموَقَّر أستاذ القانون العام الدكتور نوفان منصور العجارمة الذي يحظى باحترام وتقدير بني وطنه، لتلطفه بإهدائي نسخةً من هذا الكتاب. وقد عَرَفَ حَفِظه الله بِشَغَفي في الاطلاع على المُنجزات الفِكرية الهادفة والدراسات البحْثيَّة التي غرضها خدمة الوطن والارتقاء بمؤسساتنا ودفع عجلة مسيرتنا الأكاديمية والتعليمية والثقافية قُدُماً وإلى الأمام كما في الكِتاب الذي صوبَ نَظَري الآن. مُقدِّماً في الوقتِ عينه تحية لأستاذ القانون العام في مِصرَ الدكتور رمضان محمد بطيخ لمشاركته في تأليف الكتاب وجهوده فيه.
ومع تهنئتي بصدورِ هذا الكتاب، فإنِّي أودّ أن أعَبرَ عن صورةٍ ينشرِحُ لها الصَّدر، ولم نألفها بحقٍ مِن قَبْل في مؤلَّفات كهذه كبيرة الحجم غزيرة المواد، تمَّ الاشتغال عليها لشُهورٍ كثيرةٍ والسهر في إعدادها مع تقليب مراجعَ لا حصر لها، إذ نجدُ نصاً في الكتاب يُفيد بأنَّه غيرُ مُخصَّصٍ للبيع. وفي هذا خدمة لطلبة القانون ومَن يشاء الإفادة مِن مضامين الكتاب وموضوعاته الغَنيَّة. فجزاكم الله الجزاء الأوفى على هذا العطاء وعلى ما تكبدتُم مِن عَناء.
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
هَل مِن حَملةٍ للتفتيش على المصاعد مِن أجل سَلامة الناس؟
حنا ميخائيل سلامة نعمان
مع توفر مصاعد نقل الرُّكاب او الخَدَمات في أغلب أبنية الشركات والمؤسسات والمعارض المختلفة، كذلك توفرها في المصانع وفي الأبنية السكنية متعددة الأدوار وغيرها، فإن أسئلة كثيرة تعتمل في الخاطر مِنها: هل تطبَّق جميع شروط وسائل الأمان والسلامة العامة وبنودها حرفياً وحسب المعمول بها دولياً عند تصميم المصاعد على اختلاف شركاتها ومُصَنِّعِيها في الأردن؟ وهل يجري تطبيق "الكود العربي الموحد" عند تصميم المصاعد؟ وهل تُشرف الجهات المختصة وتراقب عند منح التراخيص المختلفة مدى الالتزام الفعلي في هذين الأمرين وَفوقَهُما مدى التزام أصحابها بإجراء الصيانة الدورية المفترضة من أجل سلامة الناس وأمانهم؟
أجيءُ بهذا لما نسمعه بين فترة وأخرى عن تعطـُّل مَصاعِدَ ونخصُّ بالذكر القديمة تصنيعاً وتركيباً، ووقوع حوادث جراء سقوطها مَا سبَّبَ في حالاتٍ خسائر وإصابات وكسور لِناسٍ أبرياء، كانوا وَثِقوا أنها ستَنقُلهم إلى طوابق عُليا ثم تُعيدهم سَالمين فخاب ظنُّهم! ومن الضرورة لفت الانتباه إلى أنه لا يجري الإفصاح دائماً عن الحوادث التي تقع لعمالٍ وغيرهم بسبب خللٍ في مصاعد مصانعَ أو شركاتٍ يعملون فيها فيتم التذرع بأسباب أخرى، يجيء هذا خشية المساءلة الرسمية فيتم إرضاء المتضررين أو ورثتهم!
إن تقصير وعدم اكتراث العديد من أصحاب العمارات التجارية والسكنية في إجراء الصيانة الكاملة المفترَضَة لمصاعدها، بما في ذلك تلك المتوفرة في المصانع والمعامل والمخصصة لنقل البضائع والمعدات والعمال المرافقين في التحميل والتنزيل، من مستودعات وأماكن التصنيع أو التعبئة، هذه الصيانة التي يُفترض أن تشمل: بئر المصعد، وغرفة الأجهزة، ولوحات التحكم، والمقصورة أي الصاعدة / الكبينة، ونظام الطوارئ، والتهوية وما غير ذلك. إن هذا التقصير الذي يهدف لتوفير مبالغ مالية بدلاً من صَرْفها لإجراء الصيانة والحفاظ على أرواح الناس بالإضافة لما خَلَّفت من حوادثَ مختلفة باتت موضع قلق لكل شخص يستخدم أي ّمِصعد حيث ترى قلبه يخفق جَزَعاً في صعوده ونزوله. وعليه، فإن مقتضى الحال يستدعي أن تُولِي الجهات المعنية جانباً من مهماتها لهذا الأمر البالغ الأهمية والخطورة أثناء التفتيش المعتاد على سائر المنشآت والمباني، وأن تتخذ الإجراءات اللازمة بحق المستهترين بأرواح الناس الذين نخشى أن يكون همُّهم ألاَّ تتناقص أرصدة حساباتهم إن قاموا بالصيانة اللازمة!
ولا بد من التنويه لأهمية توجيه فرق الصيانة التابعة للوزارات لتفقد وضع المصاعد القديمة في بعض الدوائر والمديريات والمؤسسات في المناطق المتفرقة لحاجة بعضها الماسة للصيانة والعناية. ثمة ملاحظة يجدر لفت انتباه الجهات صاحبة الشأن لها وهي ضرورة ألاَّ تكون لوحات التحكم وغرف أجهزة المصاعد وسائر ملحقاتها مُشرَّعة لأيٍّ كان ودون اتخاذ إجراءات الحيطة اللازمة. وليس كافياً الاتكال على حراس الأبنية فحسب، الذين أغلبهم من العمال الوافدين، كونهم في العادة يستقطبون الأصدقاء بعد الدوام وفي العطل في غُرَفهم داخل تلك الأبنية، كي لا تكون أنظمتها التشغيلية عُرْضَة لأيدي أي عابث أو مازح عن قصدٍ أو غير قصد. آملين أن تكون هذه الملاحظة نُصب أعين الجهات صاحبة الشأن، وأن تكون تحت بصر الدوريات المختصة بالتفتيش والمراقبة.
hanna_salameh@ yahoo.com