على هامشِ معرض عمان الدولي الرابع للعِملات والطوابع البريدية
حنّا ميخائيل سَلامة نُعمان
الطوابع البريدية الصادرة عن الدول المختلفة بما في ذلك الأوراق النقدية والقِطَع النقدية المَعدنية التي جرى تداولها في أزْمِنَة مختلفة أو مُعاصِرَة تُعتبَر توثيقاً أميناً وشواهِدَ حيَّة تتحدثُ بنفسها عن الحضارات التي سادت عبر العصور وعن الدول وما مرَّت به مِن مراحل وأطوار، وعن حُكَّامِها وَسَادَتِها، ومناسباتِها الوطنية وانجازاتها، وما خاضت مِن حُروبٍ، وما عَقَدت مِن عهودٍ واتفاقيات. ومنها ما يتحدَّثُ عن حياةِ شُعوبها وأنماطِ معيشتهم. يُضاف إلى هذا، أنَّ مِنها ما يُوثِّق الآثار وشواهِد العِمران في حِقَبٍ مختلفة.
وحفاظاً على هذا الإرث التاريخي الثمين يُقْدِمُ مُختصون مِن هُواة الطوابع والعملات إلى جَمعِها واستجلاء ملامحها والتَّثَبُّتِ منها قبل ترتيبها بشكلٍ يُراعي تسلسلها الزَّمَني والمكاني وقيمتها الإسْمِيَة وما يلزم من مُتطلَّباتٍ لها أهميتها ودِلالاتها للوصول إلى الدِّقة المَرجوَّة حين عَرْضِها لِلعَيَان.
وبغرَض التوعية والتثقيف وفتح النوافذ على هذا الإرث القَيِّم مع الدول المختلفة، ولتبادل المقتنيات وتسويق المُمِكن مِنها، ولتشجيع هذه الهواية وتنميتها تُنَظِّمُ جمعية هواة الطوابع والعملات الأردنية بما تملك من خبرةٍ مُتراكمة منذ تأسيسها سنة 1979 أنشِطة مختلفة تجري مِن خلال نُخبةِ هُواةٍ مِن أعضائها مِن ذوي الخِبرة الواسعة في جمع الطوابع والعملات وتقيِيمها حسب المعايير الدولية المُعتمدة وبتعاونٍ ملحوظٍ مع جمعيات عربيةٍ وأجنبية متخصِّصَة مُماثِلَة.
وكان أحدث نشاط للجمعية المعرض الرابع الذي افتُتِحَ قبل أيام في موقع "جاليري أمانة عمان الكبرى" وبرعاية كريمة مِن الرئيسة الفخرية للجمعية صاحبة السُّمو الأميرة عالية بنت الحسين. ومِن ضمن نشاط افتتاح المعرض الذي تُشارك فيه مجموعة جمعيات رائدة لهواة الطوابع والعملات من بعض الدول تمَّ إشهار كتاب عنوانه "مسيرة الملوك الهاشميين من خلال الطوابع البريدية بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس الدولة الأردنية". والكتابُ مشروعٌ تثقيفي توثيقيٌ، جاء ثمرة جُهدٍ شخصيٍ لمؤلِّفهِ ومُعدِّهِ الباحث جليل طنوس رئيس الجمعية حيث ألقى فيه المؤلف الضَّوء على المسيرة الهاشمية التاريخية منذ انطلاق الثورة العربية الكبرى- النهضة العربية- من الحجاز سنة 1916 بقيادة المغفور له الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه مروراً بالتوثيق لتأسيس الدولة الأردنية واستقلالها مع ما رافق هذا من مناسبات وطنية مختلفة".
ويجيء هذا الكتاب إضافة نوعيةً مِن المؤلِّف لمجموعة إصدارات كان نشرها وحملت عناوين: "مدينة القدس في الطوابع العالمية " وقد أهداه مؤلِّفه ومُعِدُّه الباحث جليل طنوس" إلى المرابطين في مدينة القدس العربية وجوارها، إلى زهرة المدائن، مدينة الصلاة وعاصمة فلسطين الأبدية " وتوزعت موضوعاته المزدهرة بصور الطوابع التي تُمثِّل مسيرة القدس ماضيها وحاضرها في ثمانية فصول وقد اعتُبِرَ لأهميته مِن منشورات اللجنة الملكية لشؤون القدس وقدم له سعادة أمين عام اللجنة الأستاذ عبدالله كنعان. وكتاب بعنوان "مسيرة صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال من خلال الطوابع البريدية". وكتاب آخر بعنوان " مدينة إربد عاصمة الثقافة العربية للعام 2022 في الطوابع البريدية ".
وحين تَجوالِك في المعرض تشعر بالجهود المبذولة في تنظيمه، كذلك تنظُر إلى مَعروضات الطوابع والعملات قديمها وحديثها، فإذا التاريخ بأدواره المتعاقبة يَنبسِطُ أمامكَ، ورجالاته أمامَ ناظِرِيك، وحوادثه وأحداثه تكادُ تنطق بوقائعها ومُجرياتها. وتجِدُ نُخبة العارِضيِن الهُواة وقد تمكَّنوا عن عِلمٍ ومهارةٍ مِن معرفة أدقِّ التفاصيل بمقتنياتهم، وتتأكد بنفسِكَ مُعاناة بعضهم في السَّعي لاستكمال ما نقص من مجموعات كانت بأيديهم لتكون متكاملة حسبَما كانت عليه حين صدورها.. وتجدهم يحدثونك عن مراحلها التاريخية حسب تسلسلها الزَّمني وقِيمة كلٍ منها وما تتمتع به من ميزات وخصائص مع تبيان مغزى رسوماتها ورموزها وشخوصها وما تعنيه الأختام المثبتة على فئات منها في شرحٍ ينمُّ عن دِرَايةٍ وفَهْمٍ لتعميم المعرفة وتوسيع المدارك.
بقيَ ان نبارك لجمعية هواة الطوابع والعملات الأردنية حرصها على المحافظة على هذا الإرث الغَنِيّ ولنجاح معرضها الرابع. وإلى مزيدٍ من التوفيق في مسيرتها في هذا الحقل الواسع بمراميِهِ النبيلة الهادفة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
أربعُ ملاحظاتٍ تتعلقُ بسياراتِ الأُجْرَة نَضعُها أمامَ مَن يعنيهم الأمر..
حنا ميخائيل سلامة نعمان
في الوقت الذي نقدِّر فيه جهود العاملين في قطاع النقل والمواصلات بسائرِ وَسائِله، وإسهام هذا القطاع الحيوي في دفع عَجلة التنمية وخدمة الناس وَتَيسير مصالحهم، فإنَّ هناك بعض الملاحظات التي تجيء من أرض الواقع نضعها أمام مَن يعنيهم الأمر بأمل متابعتها وإجراء اللازم حولها.
الملاحظة الأولى تتعلق في نِسْبَةٍ من سائقي المركبات العمومية بالأجرَة -التاكسي الأصفر والسرفيس- إذ ما عادت تكتَرِث للتعليمات الصادرة عن هيئة تنظيم قطاع النقل والجهات المختصة الأخرى، والقاضية بتثبيت بطاقة تعريف في مكان واضح المعالم مِن المركبات تتضمن اسم السائق وصورة شخصية له واسم المكتب الذي يعمل لصالحه ومعلومات أخرى مُدوَّنة عليها ذات أهمية بالغة. والبطاقة المذكورة يجري تجديدها سنوياً. وتوفُّرها إلزامي في كلِّ مَركبةِ أُجْرَةٍ وأن تكونَ قُبالة نظر الركاب وليس في رُكنٍ منها أو وضعها بشكلٍ مقلوبٍ كيلا تُرى معلوماتها.
الملاحظة الثانية تتعلق بظاهرةٍ تُشبهُ أن تكون اسْتِعطاءً مِن قِبل فئةٍ مِن سائقي تلك المركبات. حيث يُمَثِّل السائق أثناء قيادته المركبة لتوصيل الركاب -ونخصُّ هُنا إن كانوا مِن زوار البلد وضيوفه أو كانوا مِن الإناث في استغلالٍ لمشاعرهنَّ الإنسانية - يُمثِّل ورودَ مكالمة له وتكون مُنسَّقة مِن قَبل.. تُفيدُ كمِثال مِن أمثلةٍ متنوعةٍ ،ٍ بوقوع حادثٍ لأحد أفراد عائلته وأنه جرى نقله للمستشفى ويتطلب ذلك مبلغاً سريعاً من المال، فيأخذ السائق بإظهارِ صدمته وأنه لا يملِك شيئاً. ويأخذ في استثارة عاطفة الركاب مِن خلال استعطاءٍ ٍلتوفير أيّ مبلغٍ يكون عوناً له فيما يسميه مصيبة حلَّت عليه، فتراهم يقدمون ما في جيوبهم له على حاجتهم لِما يقدمونه! صحيحٌ أنهم غير مُلزمين بإعطاء مَالِهِم على هذا النحو، لكن لأنَّ الموضوع يدخل في بابٍ يُشبه أن يكونَ تحايلاً متكرِّرَاً، فمن الأهمية متابعته مِن الجهات المعنيَّة. ومن السهل ذلك من خلال سوَّاقين مؤتمنين يمكنهم الإفصاح بمعلومات عن تلك الفئة التي تُسيء بتصرفاتها على باقي السواقين الذين يحرصون على عملهم ويُخلصون لرسالة المهنة. يواكب هذا التأثيرات السلبية لتلك التصرفات التي تترك انطباعات غير محمودة في النفوس.
الملاحظة الثالثة تتعلق بعودة ظاهرة انتقاء الرُّكاب مِن قِبَل نسبةٍ غير ضئيلةٍ مِن سائقي تلك المركبات حيث يرفض كثيرون منهم حين معرفة وُجْهَة الركاب توصيلهم اليها تحت حُجَج مختلفة جاهزة على ألْسِنَتهم. يجيء هذا لانتقاء رُكَّابٍ مُحدَّدين حسبَ المِزاج ولأماكن يرَونها أكثر راحة لهم وأوفر دَخلاً. فَتَمُرُّ على سبيل المِثال أمام الشخص المُنتَظِر عدَّة سيارات على فتراتٍ زمنيةٍ فيُوجِّه كلّ سائقٍ سؤاله: إلى أين؟ ثم تراه يرفض لحُجَّةٍ جاهزة عنده.. وبعد مُعاناةِ انتظارٍ تحت أشعة الشمس صيفاً أو تحت المطر المُنهمرِ شتاءً تجِد مَن يتكرم ليوصِلَ الشخص إلى المكان الذي يُريده.
الملاحظة الرابعة تتعلق بعودةِ الادعاء بتعطُّل عداد الأُجْرَة ويكونُ هذا بعد توصيل الرُّكاب لوجهتِهم وتأتي هذه الحُجَّة مِن قِبَل فئة لاستيفاء أجرةً مضاعفة، بل وأكثر مما هو مستحق الدفع. وتنشطُ هذه الحالة بالإضافة لمناطق متفرقة قُرب مُجمعات السفريات في استغلال للقادمين الذين يريدون الوصول لعناوين مختلفة فتراهم يدفعون رغماً عنهم اجتناباً للأخذ والرد والمشاكل. وفي السياق، ومع وجود أسماءَ واضحة للشوارع وتوفر أرقام للأبنية ووجود مَعالمَ يعرفها القاصي والداني فإن هناك مِن السواقين مَن يدعي عدم معرفته بالمناطق والشوارع ليأخذ راحته في اللف والدوران وليُسجِّل العداد مسافات طويلة وقد يدعي تعطل العداد حين يصل بالركاب لمقصدهم لاستيفاء أجرةٍ عاليةٍ!
ويبقى القول إن توفر المركبات العاملة بنظام التطبيق الذكي على أهمية الأمر إلاَّ أنَّه لا يعني عدم حاجة الناس لسيارات الأُجْرَة المعهودة لقضاء حاجاتهم في التنقل على ضَوء القوانين التي تضمن حقوقهم ودونَ استغلالٍ مِن أحد.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
المَطبَّات على الشوارع وافتقار أغلبها للمعايير المطلوبة لتحقيق السلامة المرورية!
حنا ميخائيل سَلامة
لا يخفى على أحدٍ أنّ هناك معاييرَ دولية ومحلية مع جُملةِ قواعدَ مُحدَّدَة تتوفر لوضع المطبَّات وتثبيتها على الشوارع الرئيسية والفرعية، لكن ينبغي الاعتراف أن ذلك غير مُطبَّقٍ ولا يجري العمل بمقتضاه على النَّحو المطلوب في أعمِّ الشوارع. فالمطبَّات المُقامة مِنها ما يرتفعُ دونما ضرورة ارتفاعاً مخالفاً للمعايير الدولية والمحلية بما يُسَبِّب حوادث للمركبات وأذىً جسدياً للسائقين وللرُكَّاب مع الأخذ بعين الاعتبار رَداءَة مَصنَعية وتصميمِ الكثيرِ منها. لذا بات من الضرورة بمكانٍ كبيرٍ أن يُصار من خلال أمانة عمان الكبرى والبلديات الأخرى المَعنية إلى إزالتها وإعادة تصميمها بتخفيض ارتفاعها مع ما يلزم من تجهيزات تتماشى والضوابط المرورية المعروفة. كذلك إزالة المطبات التي لا جدوى لوجودها.. وغيرها كَمِثل التي أُقِيمَت مِن أشخاص حَسَبَ أمزجتهم لتخدم مصالح أبنيتهم ومحلاتهم ومؤسساتهم ودونَ موافقات رسمية أو تقيدٍ بالارتفاعات حسب الأصول وما يتبع ذلك من شروطٍ لإنشائها.
وفي السِّياق، فقد باتَ من الضروري لتحقيق السلامة المرورية طِلاء المطبات كلِّها بأنواع من الطِلاء الخاص عالي الجودة وليس من الأنواع التي جَرت العادة باستخدامها ولا تدوم سوى لأيام مَعدودة ثُمَّ تُطْمَسُ بفعل حركة المركبات وعواملَ أخرى. كذلك وضع العواكس الأرضية الفوسفورية العالية الجودة والمَصنَعيَّة ليستطيع السائق أن يلاحظها مِن بُعْدٍ ليلاً، يرافق هذا تثبيت شاخصات مرورية تُفيد بوجود المطبات جميعها بما في ذلك على الشوارع الفرعية وأن تكون واضحة للعيان وغير مختفية على جوانب الأرصفة وبين أغصانِ الأشجار التي ٍتُخفي معالمها!
إنَّ تَفاجُأ السَّواقين بالمطبَّات" الأسفلتية " المنتشرة على الشوارع الرئيسية والفرعية والتي لا يُميزها السائق كونها أقيمت من المادة الأسفِلتية نفسها التي تُعبَّد منها الشوارع، وَدونَ توفرِ علاماتٍ أو طِلاء فوسفوري يلفت الأبصار إليها مع انعدام الشاخصات التحذيرية يُسَبِّبُ باستمرارٍ حوادث وارتجاجات وإيذاءَات لأجساد سائقي المركبات ومَن هُم بمعيتهم حتى وإن كانت السُّرعة حسب اللوائح المُقرَّرة!
ولا بُد من الإشارة، إلى أن الكثير مِن الطرق الخارجية والداخلية تفتقر إلى العلامات والخطوط الأرضية والجانبية التي تُبيِّن المسارات والاتجاهات ومثلُ ذلك لِحَواف الشوارع والجُزُر الوَسَطيَّة، هذه الخطوط بالغة الأهمية ويفترض أن تكون من الأنواع الثابتة المتعارف على نوعيتها عالمياً لتكتسب صِفة الديمومة وليس على النمط المعمول به على بعض شوارعنا حيث تذهب معالمها بعد أسبوع من تخطيطها فتذهب كلفة ذلك هدراً! كذلك إعادة النظر بالإشارات واللوحات والشاخصات المرورية والتحذيرية والإرشادية التي منها ما يحتاج إلى إعادة تغيير موقعه ومنها ما يحتاج إلى صيانة وطلاء فوسفوري ليكون عوناً للسائقين مع حلول الظلام، حسبَ رؤية هندسية متطورة ولا نظن هذا بالأمر الصعب على أيِّ جهةٍ طالما الهدف تحقيق السلامة المرورية.
ثمَّة سؤالٌ لا بُدّ مِن لفتِ الانتباه اليه وكيلا يبقى شعار "سلامة المُشاة من الأولويات" دون تطبيقٍ فِعليٍ ملموسٍ والسؤال ينحصِرُ في: أينَ يسير المُشاة إذا كانت أرصفة كثيرة قد زُرعت من قِبَل أصحاب بنايات وفِلَل بأشجار غليظة السِّيقان والجُذوع وكثيفة الأغصان ليس لغرض التجميل كما يُشيِّعون، فهذا يكون باختيار أشجار لا تحتل الأرصفة بكاملها، بل قَصدُهم أَلاَّ تطأ الأرصفة قُبالة أبنيتهم أقدام المُشاة، فتراهم والحال هذا قد اضطروا للنزول والمَشي على الشوارع مُعرِّضينَ أرواحهم لخطر مُداهمة السيارات والدَّهس والدَّعس وكثيراً ما وقعت حوادث مِن هذا القبيل يعرفها الجميع دونَ إيلاء السبب الرئيس الذي ألزم المُشاة لاتخاذ الشوارع بدائل عن الأرصفة التي اكتسحتها الأشجار !
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
" والأمُّ أَوْلى بإكرامٍ وإحسانِ.."
حنا ميخائيل سلامة
كلَّما أطلّ عيد الأمِّ طافَ الخاطِر بمَا نظمَه مِن جُملة ما نَظَم مِن روائع الشاعر الفيلسوف المَعرِّي المُنتقل لرحمة الله سنة973م.:
والعيـشُ ماض ٍ فأكرم وَالِدَيكَ بـهِ والأمُّ أولـى بإكـرامٍ وإحســان ِ
وَحَـسبُها الحملُ والإرضاعُ تُدْمِنُهُ أَمرانِ بالفضلِ نالا كلّ إنسانِ
هذان البيتان مِن الشِّعر لو أردنا تسطير مقالةٍ مستقلة عمَّا يَحملان مِن عِبرَة ونُصْحٍ وموعِظة لكان ذلك جائزاً مُحبَّبَاً. وليس بمستغرب أن صاحب البَصيرة الحادة رغمَ ذهاب بَصَرِه، المُتوقِّد ذكاءً المَعرِّي هو عيْنُه مَن نظمَهما وأراهما يَصلُحان وبهما حيوية وديمومة وكأنه يخاطب من خلالهما إنسان عصرنا هذا. وإذا كان المَعريّ يدعو لإكرام الوَالِدَيْن معاً فإنه يُرجِّح في الوقت نفسه كَفَّة الميزان للأمِّ مُسلِّطاً الضَّوءَ على مُهمَّتها الجليلة المتميزة قبل ولادة المولود وما يتلو ذلك من مسؤولياتٍ غير مُعْرِضة أو مُتوانية إنما مُمْعِنَة راغبة حُباً منها أو كما وصفَ "مُدْمِنة".
تَحمل الأُمُّ بشَمَمٍ إرثَ الآباء والأسلاف، وتراها تؤسس بيتها على المحبة والحنان ومكارم الأخلاق وَتَجدُها تغذي أطفالها على الخلق والفضيلة لإنشاء مجتمع على ركائزَ مَكينةٍ نبيلة. إنها زهرة طهر وعفاف تزين صدر رَجُلِها، وهي الأمينة عليه الحافظة لعهده والمُدْرِكَة للحياةِ بقلبها وعقلها مَعاً. وهي عَينُها مَن يُضفي على الحياة عُذوبة وحلاوة فَتُحيطُ بالأمور والضِّيقات صابرة صَبورة، نهجُ حياتها أنْ تجمعَ ولا تفرق، أنْ تجبر ولا تكسر، أنْ تعفو ولا تَدِين. إنها هيَ وليس سِواها مَن تُضمِّد جراح زوجها المتعب من مشقات سعيه لتأمين رزق أبنائه ومستقبلهم. وغاية سعادتهما تتجسَّدُ في تربية أبنائهم وتهذيبهم واعدادهم وصقلهم بالمثل العليا ليكونوا عُدّة المستقبل في تكوين أُسَرٍ مُتحابة نَموذجيةٍ تحفظ عهدَ الوَالِدَين وتَذْكُرُ متاعبهم وتضحياتهم نحوهم، وليكونوا أيضاً دُعاةً للخير والبِرِّ وعناصر بناء لمجتمعهم ووطنهم.
وكلما أطلَّ عيد الأُمِّ تعود بنا الذاكرة لشهادة الوفاء الرائعة التي سجلها التاريخ على لِسَان نابليون لأمِّه يقول فيها: "إنَّني مَدين لأمي بكل ما حُزتُه من الفَخار، وما فُزت به من العَظَمة، لأن نجاحي كان ثمرة مبادئها القديمة وآدابها السَّامية". كما تعود بنا الذاكرة لردٍ مِن أحد حُكماء التاريخ حينَ سُئِل عن أروع كتاب قرأه فأجاب: إن أروعَ كتابٍ قرأته "أمي".
وإزاءَ مُجملِ ما سبق ذِكْره وفي الجُعْبة الكثير، فإننا وحيثــُما حَلَلْنا، نَسمَعُ قِصصاً مؤسفة عن تردِّي مُعامـَلةِ أبناءَ لِوَالِديِهم، ونـُكرانهِم لتلك المحبة والحنان والمشقات والآلام وللمشقـَّات والآلام التي احتملوها في تنشئتِـهـِم وتربيـَتِهِم وتعليمهم والسـَّهَرِ عليهم، في الصـِّحةِ والمرض، في الشـِّتاءِ الباردِ والصـَّيفِ اللاهب، في ذهابـِهـِم وإيابـِهم.. ومَا إلى ذلكَ الكثير الكثير.
ولعل الأمر الذي يُحزن القلب، أنَّ هناك مِن الأبناء مَن يعتبرونَ الآباء والأمَّهات من حسابات الماضي ويهمسون في جلساتهم مع أقرانهم أنَّ عقلياتهم عتيقة ويتندَّرون عن قرارات كانوا اتخذوها وكانت حينها سليمةً كما ينبغي أن تكون في وقتها وزمانها.. وفوقَ هذا تراهم يتشامخونَ عليهم ولا يستمعونَ لنـُصحِهِم وتوجيهِهم ورؤيتهم العميقة للحياة بـِما مرَّ عليهم من تجارب وخِبرات! وما يُحزِن القلب أيضاً قيام أبناءٍ بإيداعِ آبائـِهِم في دورِ رعايةٍ ثـُمَّ الاحتجاب عن زيارتهم، بل تناسيهم، سوى من حِفنـَةِ دنانير يرسلونها مع مُراسِليهم لمُحاسبيّ الدور بينَ الفـَينةِ والفينة. وما أن يصل خبر انتقال والدِ أحدهم إلى رحمةِ الله، حتى يـُسارِع الابن الجاحد إلى إنشاءِ صيوان عزاءٍ كبير، ليـُمثـِّلَ أمام الناس دوراً مُتقناً في مسرحيةٍ محدودة الأيام يُبدي فيها حُزناً وأسىً. والحالُ عينـُهُ، عندما يـُلقي أحدُهم أمـَّهُ التي أرضعتهُ من ثـَديها على الرَّغمِ من المتاعِبِ الجسدية والنـَّفسية التي كانت تتلقاها في طفولتِهِ، في غـُرفةٍ منزويةٍ ولا يعودُ يـُطلُّ عليها تشامخاً وتكبُّراً وقد جفت المحبة من قلبه وتصدَّعت مشاعره!
قبلَ أكثر من ألفين وستمائة عام ومن بلادِ آشور، أوصى حكيمٌ يُدعى طوبيـت وَلَده قائلاً:" إذا مُـتُّ فادفن جسدي دفناً حسناً، وأكرم والِدَتـَكَ ولا تتركها جميع أيام حياتـِها، واعمل ما يـَطيب لها، ولا تـُحزن نـَفسَها بأيِّ أمرٍ كان. أُذكر يا بنيَّ، المخاطر والمشقات التي عانتها من أجلك وأنت في أحشائِها، ومتى استوفت هي أيضاً زمانَ حياتها، فادفنها إلى جانبي في القبرِ نفسه".
وفي الختام ومع التهنئة العَطِرَة بمناسبة عيد الأم فإننا ندعو بأملٍ الأبناءَ للتحرك دونَ إبطاءٍ لأخذ بركة أمهاتهم وإكرامِهم ونيل رضاهم وتحريرهم من السأم وبعث التفاؤل في وجوهِهم، فبهذا يَعْظُمُ العِيد وتزدادُ إشراقته. ولا يغيب عن الخاطر أن نترحمَّ على جميع الأمَّهات الَّلاتِي شاءت الإرادة الربانية ان ينتقِلن من هذا العالم إلى عالم الخُلود بعد أن أدَّيْنَ رسالتهُنَّ بأمانة وتفانٍ.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
ملاحظات أمام من يعنيهم الأمر بالسَّلامة العامة!
حنا ميخائيل سلامة نعمان
لقد حزَّ في نفوسنا جميعاً وآلمنا الحادث المأساوي الذي وقع في ميناء العقبة مِن جرَّاء سقوط وانفجار صهريج الغاز وما خلَّفه مِن سقوط أرواحَ بريئة ندعو الله أن يرحمها وأن يمنح الصبر لذويها وأن يَمُنَّ بقدرته الشفاء للمصابين الذين يرقدون على أسِرَّة الشفاء. والحادث المأساوي هذا مع جُملة ما وقع من حوادث متفرقة خلال الأعوام السابقة تدعونا لتقديم الملاحظات التالية لمن يعنيهم الأمر لإعادة النظر في أساليب تطبيق شروط السلامة العامة بكافة بنودها وبالجدية المطلوبة ودون استثناء لموقع أو مكان!
لقد جرت العادة أن تطرح فِرق السلامة العامة عند زياراتِها الدورية للتفتيش على المؤسسات والمحلات والشركات والمعارض وغيرها السؤال التالي: هل لديكم طفاية حريق؟ ثم تتبعه بسؤالٍ آخر: هل لديكم صندوق إسعاف؟ وبعد أن يتمَّ التأكد من توفرهِما مع ما يصحب هذا في حالات من جولة خاطفة تغادر تلك الفِرَق باعتبار الأمور كلها تمام التَّمام! لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا تلفتت فرق السلامة العامة إلى المحلات والمستودعات والمعارض الموجودة داخل المجمعات التجارية وفي طوابق عمارات وأبنية كثيرة سواء التجارية منها أم السَّكنية في داخل العاصمة أو في محيطها بما في ذلك سائر المدن والبلدات، حيث تحتشد تلك الطوابق بمحلاتٍ ومستودعات تتكدَّس فيها أطنان الأقمشة والملابس والأحذية ومنتجات الكاوتشوك والبلاستك وبضائع ومعروضات على أشكال وأنواع في ظروفٍ تنعدم فيها أدنى شروط ومتطلبات السلامة العامة، علماً أنَّ أغلبها من البضائع القابلة للاشتعال من شرارة واحدة؟
وإذا كانت فرق السلامة العامة التي تُمثـِّلُ المديريات المختصة والدوائر الرسمية تضمُّ خلال حملات التفتيش خبراء ومختصين، فلماذا تـَصْرِفُ النظر عن إلقاء نظرة فاحصة على الأنظمة الكهربائية والتمديدات وحجم الأحمال الزائدة عليها؟ ولو أنَّها ألقت نظرة من نوافذ طوابق تجارية أو سكنية إلى تنَدات الدكاكين وشرفات طوابق المحلات والمستودعات لوجدت مشهداً خطيراً لا يخطر على البال وهو تراكم كميات كبيرة من الأسلاك الكهربائية الممدودة والمتصلة ببعضها، ومن تلك الأسلاك ما يسري فيه التيار الكهربائي بقوة ثلاثة – فاز - حيث ألقيت فوق بعضها البعض بشكل عشوائي، ومنها ما يحيط بأجهزة التكييف المثبتة على الجدران أو المتموضِعة فوق الشرفات حيث يندفع منها هواءٌ ساخِنٌ يذيب أقوى شبكات الكيبلات والأسلاك القديمة مع حرارة الطقس. ومع تآكل الأغلِفة الواقية للإسلاك التي يسري فيها التيار الكهربائي وتعرِّيها وَتَفتُّتِ وَصْلاتِها بفِعْل القِدَمِ وتقلبات الفصول وحرارة الشمس الحارقة، أصبحت ولِتَجمُّعِها فوق بعضها البعض وقرب تماسِّها تشكل خطراً كبيراً على الطوابق السالِفة الذِكِر، والإتيان على ما فيها بحريقٍ يفتك ويمتد عمودياً وأفقيا لعشرات المحلات والمستودعات المتلاصِقة بما يتعذر إخماده إلا بعد وقوع خسائر مادية ضخمة قد يواكبها خسائر بشرية لا قدَّر الله.
وإذا كانت السلامة العامة في كثيرٍ من محلات ومخازن الطوابق الأرضية المتجاورة والمحتشدة ببضائع سريعة الاشتعال ليست على النحو المطلوب، فإن ما يلفت الانتباه منح تراخيص مزاولة مهنة لمطاعم الوجبات السريعة وغير السريعة لمجرد قيام أصحابها بتركيب مَداخِن.. لكن دون استيفاء الشروط المحدَّدة من ناحية الارتفاع المطلوب وجودة التصنيع والتركيب. فتراها وقد أخذت تقذف حِمَمَها من أبخِرَة وغازات وزيوتٍ محترقه على التندات والشرفات التي تتكدس عليها الكيبلات وشبكات الأسلاك بما يُسهِّل ذوبانها فتماسها فاشتعال المحيط بها ثم الانتقال بلمح البصر إلى داخل الطوابق حيث الأقمشة والملابس والمنتجات البلاستيكية والكاوتشوكية. ولن أخوض في أماكن تموضع أسطوانات الغاز في المطاعم وبعض المقاهي حيث تجدها قريبة مِن أجهزة الطهي أثناء إشعالها وتشغيلها، بل وقرب العاملين عليها والزبائن في حالاتٍ.
وفي السياق نتساءل كيفَ للنداءات المتكررة من المواطنين في الشتاء الماضي وما قبله حول الأشجار التي تشتبك بداخلها الأسلاك الكهربائية وما وقع من حوادث مِن جراء سقوط الأسلاك مع الأغصان والأشجار وما سببته من أعطال ومخاطر على الإنسان، تلك النداءات التي تحفَّزت لها وقتئذٍ شركة الكهرباء والأمانة والوزارات المعنية لم يجرِ تفعيل متطلباتها وإجراء اللازم من خلال حَملات وجولات على جميع الشوارع والطرق للتأكد من بُعد الأسلاك عن الأشجار وقطع ما تُسبِّبُه من أخطار في الشتاء القادم فجمع الأغصان المتساقطة وإعادة ربط شبكات الأسلاك دون معالجة جذرية سيجعل السلامة العامة في هذا الأمر مُهددة.
أما السلامة العامة فنجدها غير مطبقة بالفعل من كثيرٍ مِن متعهدِيّ تشييد الأبنية والعمارات حيث نرى كمثالٍ العمال مُعلقين على ألواح خشبية مخالفة للشروط المطلوبة ومشدودة بِحبالٍ غير آمنةٍ يضطر العامل للعمل عليها مرغماً لتامين معيشته وروحه على كفه. وغير ذلك من ظواهر سقوط مواد بناء وحجارة تهدد المارة والمجاورين لعدم تطبيق متطلبات شروط السلامة حسب الأصول.
يبقى أن نُعيد للذاكرة على ما وردَ في بداية المقال ليس الحوادث الحديثة العَهد التي لا تزال قريبة من الذاكرة ومعروفة للجميع، بل ما جرى لمراتٍ نذكر منها على سبيل المثال ذلك الحريق الذي شبَّ من جراء تماس كهربائي ثم التهم نحو أربعين محلاً في أسواق البخارية وفيلادلفيا والبلابسة في الشهر الثامن من عام 2009 وجهود الدفاع المدني العام الكبيرة الذي دفع بخمسين آلية إطفاء وثلاثماية رَجُلٍ لمحاصرته وإطفائه، والحريق الهائل الذي شب ليلة الأحد 26/5/2013في عمارة ومحال تجارية في شارع الملك طلال قرب ساحة النوافير ما دفع بعشرات آليات الإطفاء لإخماده.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.